للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل هذه الوسائل تسد الفوهاتِ التي نبع لنا منها اللفظُ المشترك، وليس فيه حرجٌ ولا اعتداء على ما سبق من الاستعمال؛ لأنا نريد أن نقتصرَ على بعض ما كان متكاثرًا من الألفاظ في هذا الباب في استعمالنا من دون أن نبطل معانِيَ ما سبق استعمالُه منها فيما سلف، ولا أن نحمل الناسَ على جهل معانيه. ألا ترى أن المولَّدين هجروا استعمالَ كلماتٍ كثيرة كانت شائعةً في شعر الجاهلية - مثل المعلقات وغيرها - من دون أن تُجهل معاني تلك الكلمات.

[كيفية استعمال المشترك]

إطلاق المشترك على معنى من معانيه هو أصل استعماله، وهو بين لا يحتاج إلى البحث. وبقي النظرُ في أنه هل يُستعمل في جميع معانيه أو عددٍ منها في إطلاق واحد، بأن يُطلقَ لفظُ العين مثلًا ويراد به جميعُ معانيه أو عددٍ من معانيه. وقد منع من ذلك معظمُ علماء العربية، وكأنهم رأوا أن حكمةَ وضع اللغة تُحَتِّم على الناطق بها سلوكَ سُبل البيان بقدر الإمكان.

فعلى فرضِ أنْ وُجد اللفظُ المشترك لسببٍ من الأسباب الماضية، فإن تعددَ المعانِي يدل على أن أهلَ اللغة وضعوه أو استعملوه فيها على شريطة أن لا يُطلَق إلا إطلاقًا موَزَّعًا، نظير وضع أهل العلم، فإنه صالح لأن يُسمَّى به كلُّ أحد من الصنف المعلم به، ولكن على شريطة أنه إذا سُمِّيَ به هذا لا يُطلق على الآخر. ولذلك يقولون في المعارف كلها: إنها كلياتٌ بحسب الوضع، جزئياتٌ بحسب الاستعمال (١). فنحن نقول في المشترك: إنه موضوعٌ لمتعدد، بشرط استعماله في واحد بعد واحد.


(١) قال السيوطي في باب "المعرفة والنكرة": "وعلى التفاوت اختُلِف في أعرف المعارف: فمذهب سيبويه والجمهور إلى أن المضمر أعرفُها. وقيل العَلَمُ أعرفها، وعليه الصيمري، وعُزي إلى الكوفيين. ونُسب إلى سيبويه، واختاره أبو حيان؛ قال: لأنه جزئيٌّ وضعًا واستعمالًا، وباقي المعارف كلياتٌ وضعًا جزئيَّاتٌ استعمالا". السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، نشرة بعناية أحمد شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٨/ ١٩٩٨)، ج ١، ص ١٨٧ - ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>