حقيقٌ على علماء الإسلام أن يتهَمَّمُوا بضبط الأسماء التي يُناط بها أمرٌ أو نهيٌ في الدين ضبطًا يساير مختلفَ الأعصار والأمصار، كي تجريَ أمورُ الديانة على سبيل واضحة بينة، لا يعتريها ترددٌ ولا يخالجها انبهام. وحقٌّ على الأمة أن تطالبَ علماءها ببيان ذلك لها، حتى تكون على بينة من الأمر، وحتى تجريَ أعمالُها في أمور دينها على طريقة سواء، وإن اختلفت الأسماء وتباعدت الأقطار والأنحاء.
ولا يحسبنَّ أحدٌ من أولئك أو هؤلاء أن في إجراء تلك الأعمال على إجمالٍ أو إبهامٍ معذرةً لهم في الوفاء بحق التكليف، ولا أن في الأخذ بالاحتياط والأحوط كفايةً لهم؛ لأن ذلك لا يتأتَّى في كثير من الأحوال، ولأن الاحتياطَ عبارةٌ عن عمل يصير إليه العلماء عند تعذُّر أو تعسُّر العمل بأمر مضبوط. فهو من فروع ما يسمى في علم الأصول الاستدلال، وإنما يُصار إلى الاستدلال عند استفراغ الجهد في طلب الدليل، ثم العجز عن تحصيله.
فأما الأخذ بالأحوط، فهو عبارةٌ عن اختيار أحد الأمرين المتعارفين عند عدم ظهور وجهٍ يرَجِّحُ اعتبارَ أحدِهما دون الآخر. فيكون الأخذُ بالأحوط طريقًا من طرق الترجيح عند التعارض، وهو آخر المرجِّحات. وإنما يصار إلى الترجيح إذا تعارض دليلان، ولا تعارضَ قبل البحث عن الدليل وعن معارضه.
وقد جرى تقديرُ نصب زكاة الحبوب والثمار وزكاة الفطر وكفارات الأيمان وفدية الصيام وغير ذلك بالصاع والمد والوسق، فكانت من الأسماء الشرعية المجهول مسماها اليوم عند طوائف جمة. وقد نشأ هذا الجهلُ من تفريط المسلمين في
(١) المجلة الزيتونية، المجلد ٥، الجزء ٦، جمادى الأولى ١٣٦٣/ ماي ١٩٤٤ (ص ١١٨ - ١٢٣).