فإن معنى "لا تقيمن" هو ما يفيده معنى قوله: "ارحل"، فكانت الجملةُ الثانية كبدل الاشتمال من الأولَى (١).
والتي هي عين الأولى في محصل الفائدة مثل المؤكدة نحو:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}[البقرة: ٢]، فجملة "لا ريب فيه" مؤكدة لمعنى "ذلك الكتاب".
ومن أنواع الوصل عطفُ طائفةٍ من الجمل على مجموع طائفة أخرى، بحيث تعطف قصةٌ على قصة أو غرضٌ على غرض في الكلام، فلا تُلاحَظ إلا المناسبةُ بين القصة والقصة، والغرض والغرض، لا بين أجزاء كلٍّ من القصتين، حتى إذا وليت الجملة الأولى من القصة المعطوفة إحدى جمل القصة المعطوف عليها لا يُتطلب وجهٌ لتلك الموالاة لأنها موالاةٌ عارضة. وهذا نحو عطف قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ}[البقرة: ٢٥] إلخ، على قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}[البقرة: ٢٣]؛ لأن قوله:"وإن كنتم في ريب" مسوقٌ لبيان عقاب الكافرين وقوله: "وبشر" مسوقٌ لبيان ثواب المؤمنين.
ونظيرُه من عطف المفردات قولُه تعالى:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}[الحديد: ٣] فإنه لو قُصد عطفُ الظاهر على الآخر لم يحسن، وإنما القصد عطفُ وصفين متقابلين على وصفين متقابلين، وكلُّها لموصوف واحد.
[عطف الإنشاء على الخبر وعكسه]
منع بعضُ علماء العربية عطفَ الإنشاء على الخبر، وعطف الخبر على الإنشاء. والحقُّ أن ذلك ليس بممنوع، وهو كثيرٌ في الكلام البليغ. وقد قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨)
(١) وكذلك قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ} [طه: ١٢٠]، فإن جملة قال: "يا آدم" بيانٌ للوسوسة، فكانت كعطف البيان فلم تحتج للربط. - المصنف.