للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (٢٠) وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١)} [ص: ١٧ - ٢١]، عطف "وهل أتاك" على أخبار داود.

واعلم أنه قد يُخالَف الظاهر، فيُؤتى بالوصل في مقام الفصل وبعكسه، لقصد دفع إيهامٍ ينشأ عن ارتكاب مقتضى الظاهر، كما جاء الفصلُ في قول الشاعر الذي لم يعرف:

وتظُنُّ سَلْمَى أَنَّنِي أَبْغِي بِهَا ... بَدَلًا أُرَاهَا فِي الضَّلَالِ تَهِيمُ (١)

كان الظاهر عطف جملة "أُراها"، لكنه فصلها لئلا يَتوهَّم السامعُ أن ذلك مما تظنه سلمى، فالوصل سببٌ منع منه مانع.

وكما جاء الوصل في نحو قولهم: "لا وأيدك الله"، فإن الظاهر الفصل؛ لأن الجملتين غيرُ مشتركتين في الحكم (٢)، ضرورةَ أن إحداهما خبر والأخرى إنشاء. فقد وُجد مانعُ الوصل، ولكنه خلفه مقتضٍ إذ لو فُصل لتُوُهِّم الدعاءُ بنفي تأييده.

هذه معاقدُ أحوال الفصل والوصل، وفي وجوه الاتصال والانفصال المرتب عليهما الوصلُ والفصل تفاصيل واعتباراتٌ دقيقة يجب إرجاؤها لكتب مرتبة أرقى من هذه (٣).


(١) أورده دون نسبة الخطيب القزويني: الإيضاح، ص ١٢٤، وهو لأبي تمام كما ذكر الجرجاني، زكي الدين محمد بن علي بن محمد: الإشارات والتنبيهات في علم البلاغة، نشرة بعناية إبراهيم شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٣/ ٢٠٠٢)، ص ١٠٧. وهو ليس في ديوان أبي تمام.
(٢) حكى الأدباء أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - مر برجل في يده ثوب، فقال له أبو بكر: أتبيع هذا الثوب؟ قال لا رحمك الله، فقال أبو بكر: "قد قومت ألسنتكم لو تستقيمون لا تقل هكذا، قل: رحمك الله لا. وقيل: قال له: قل لا ورحمك الله". - المصنف.
(٣) مسائل الفصل والوصل من أصعب مسائل فن البلاغة، لكثرة ما فيها من التفاصيل التي يعسر ضبطُها بقاعدة تجمعها. ولقد فرَّعها السكاكي تفريعًا زادها صعوبة. وأنا خالفتُ طريقتَه وطريقة التلخيص في هذه الرسالة، فابتدأت الباب بما يفتح بصائرَ المتعلمين في تمييز خليطها واقتضبت =

<<  <  ج: ص:  >  >>