من أعلى مقاصد الإسلام سوق الناس إلى مبدأ واحد يكون جامعة مقدسة تصغر أمامها كلُّ الجوامع بأن يصير الناس أمة واحدة بجامع الوحدة النظرية، وهو أعلى مقصد فطري يسعى إليه الآن دعاةُ الإسلام وإخوان الإنسانية، فتصد الناسَ عنه أكبالُ العادات وأسر الحضارات. ذلك أن الإسلام جاء داعيًا للفطرة، مبطلًا لكل خلاف. ومن شأن الفطرة والعقل أن لا تختلف في جوهرها، قال:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى: ١٣]، ودعا الناس كلَّهم لدينه:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}[الأعراف: ١٥٨]، وذكَّر الأممَ بأصل وحدتهم فقال:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}[البقرة: ٢١٣].
وهذا المقصد ابتدأ يظهر في أوروبا في القرن الحادي عشر والثاني عشر، على أن السعي فيه لم يأت بنتيجة مطلوبة، وأقوى ما ظهر منه سعي الإكليروس لتوحيد الجمعيات الأوروباوية تحت اسم الدين وسن لذلك النظام التيوكراتي - أي حكم الكنيسة السياسي - فكان أبهى مظهر له في عهد البابا قريقوار السابع سنة ١٠٧٣ يوم كان إمبراطور جرمانيا هنري الرابع واقفًا على باب قلعة كنوسا مع ديوانه ثلاثة أيام ينتظرون التوبة ويحاربون بصبرهم البرد والجوع والسهاد على حالة عبر عن مثلها الشاعرُ العربي بقوله:
(١) هذا البيت ذكره المصنف في التفسير ناسبًا إياه إلى ذي الرمة (تفسير التحرير والتنوير، ج ١١/ ٢٢، ص ٣٣٧، الآية ٤٣ من سورة فاطر)، ولم أجده في ديوانه بنشرات مختلفة بما فيها النشرة المحققة للدكتور عبد القدوس أبي صالح (شرح أبي نصر الباهلي برواية أبي العباس ثعلب)، ولا ذكره أبو الفرج الأصفهاني في أخبار ذي الرمة.