للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن حال دون إتمام هذا النظام تنازعُ السلطة وقهر فيليب لوبيل ملك فرنسا وإهانته شخصَ البابا بونيفاس الثامن (١) في أوائل القرن الرابع عشر (١٣٠٢ م).

أما الإسلام فمع قبول دعوته هاته في العرب الذين سلموا من دخائل الحكومات بالتفريق والفساد وحب الأثرة ألقاها إليهم غيرُهم من الأمم بوجه لا يشعرون بغبه إلا بعد نواله؛ لأنه كان إبداءهم بدعوة الدين فيظونه قصارى المطلوب، فما يشعرون إلا وقد صار الدينُ فكرة تآخ واتحاد، ثم أمة، ثم سلطانًا عظيمًا. ثم عزز الإسلامُ دعوتَه هاته بأن الاعتبار بالدين لا بالوطنية، وهذا نظر فلسفي شريف؛ لأنه إذا كان لرابطة المسكن والمولد وآصرة القرابة تأثيرٌ في النفوس وما كانت بتلك الروابط شيئًا، فلأن يكون للدين - وهو اتحاد المبادئ الفكرية- أكبر رابط وأوثق سبب؛ لأنه الجهة التي كان بها الإنسان إنسانا. خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء. . . أنتم بنو آدم وآدم من تراب". (٢)

التوحيد الاعتقادي: هذا أصل الإسلام الأول، وهو الاعتراف بخالق واحد لا يخضع المرء إلا إليه. هدم هذا الأصل هياكل الوثنية التي كانت قتلت النفوس؛ إذ


(١) بونيفاس الثامن Boniface Vlll ولد سنة ١٢٣٥ في مدينة أناغني Anagni الواقعة في الجنوب الشرقي لمدينة روما على بعد خمسين كيلومتر، وتوفي سنة ١٣٠٣. تولى كرسي البابوية من عام ١٢٩٤ حتى وفاته. عرف بونيفاس بمحاولته توطيد سلطة الكنيسة وتوسيع دائرة نفوذها، وقد أصدر مرسومًا يقرر أن لا خلاصَ لأي إنسان إلا بالخضوع لسلطان الكنيسة. وقد تزامن ذلك مع طورٍ شهد صعود سلطان الدولة الوطنية على أيدي ملوك يسعون لترسيخ سلطتهم فيها، الأمر الذي جر إلى اصطدام الإرادتين: إرادة البابا وإرادة الملوك، فكانت المعارضة لما سعى بونيفاس إلى تأسيسه قويًّا، وخاصة من قبل ملك فرنسا فيليب الرابع.
(٢) عَنْ أبي هريرة أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الله عز وجل قَدْ أذْهَبْ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِي، وَفَاجِرٌ شَقِي. أنتم بَنُو آدَم، وَآدَمُ مِنْ تُرَاب، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْم مِنْ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَى الله مِنَ الْجِعْلانِ الَّتِي تَدْفَعُ بأَنْفِهَا النَّتْنَ". السجستاني، أبو داود سليمان بن الأشعث: سنن أبي داود، نشرة بعناية محمد عبد العزيز الخالدي (بيروت: دار الكتب العلمية، ٢٠١٠)، "كتاب الأدب"، الحديث ٥١١٦، ص ٧٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>