للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للروح الملكي، فلقاء نسائه - صلى الله عليه وسلم - ترويحٌ للقوة الملكية وتهذيب للقوة البشرية، فهو إذن بمنزلة الأجزاء التي تمزج بها الأدوية لتعدل ما في العقاقير من الحدة. فالتطيُّب يحصل بما تشتمل عليه العقاقير من التأثير في مقاومة انحراف الأمزجة، والأجزاء المعدلة تدفع ما تحدثه تلك العقاقير من منافرات المزاج، وتسمى تلك الأجزاء في عالم الطب بالمصلحات. فهذا تقريب هذا السر الإلهي إلى الأفهام.

وأما الطيب فلأنه ينعش الروح ويفيض المشاعر العقلية، فهو ملائم للملكية. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ضد ذلك للرجل الذي عرض عليه أن يأكل بصلًا فأبى النبي، فظن الرجل أنه حرام، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أناجي من لا تناجي"، يعني الملائكة. (١)

[جوع الرسول - صلى الله عليه وسلم -[والحكمة منه]]

١ - قال الحكيم شهاب الدين السهروردي في هياكل النور: "النفوس الناطقة من جوهر الملكوت، (٢) وإنما يشغلها عن عالمها [هذه] القوى البدنية (ومشاغلتها)، فإذا قويت النفسُ بالفضائل الروحانية وضعف سلطانُ القوى البدنية [وغلَبتها]، بتقليل الطعام وتكثير السهر، تتخلص أحيانًا إلى عالم القدس، [وتتصل بأبيها المقدس] وتتلقى منه المعارف، وتتصل بالنفوس الفلكية [العالمة بحركاته وبلوازم


(١) "عن ابن شهاب: زعم عطاء أن جابر بن عبد الله زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا، أو فلعتزِلْ مسجدنَا، أو لِيقعد في بيته"، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتِي بقِدْرٍ فيه خَضِراتٌ من بقول فوجد لها ريحًا، فسأل فأُخبر بما فيها من البقول، فقال: "قربوها". إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها، قال: "كل فإني أناجي من لا تناجي". صحيح البخاري، "كتاب الأذان"، الحديث ٨٥٥، ص ١٣٨.
(٢) اصطلح حكماء الإسلام على تسمية عالم الشهادة، أي عالم المحسوسات والماديات، بعالم الملك، وتسمية عالم الغيب المختص بالأرواح والنفوس - وهو عالم ما وراء المادة - بعالم الملكوت. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>