للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حركاتها] وتتلقى منها المغيبات في نومها ويقظتها". (١)

وحكماء الإشراق يجعلون ذلك من الرياضة النفسية، ويجعلونها من وسائل إشراق النفس وانكشاف الحقائق لها. وقد تقرر من أصول الدين أن النبوة لا تحصل بالاكتساب، وإنما هي محض فضل من الله، لكن ذلك لا يمنع من إثبات إنباء الله تعالى أنبياءه ورسله بسلوك طرائق تعين نفوسهم على تلقي ذلك العبء الجليل ودوام تحمله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤]. فلجوع رسول الله حكم وأسرار خفية، قد من الله علينا بمعرفة قليل من كثيرها. وأول تلك الحكم ما كنت أذكره آنفًا.

٢ - وثَم حكمة أخرى، وهي تقلل رسول الله من الحظوظ الدنيوية لتقوى الهمةُ الروحية بمقدار ضعف التعلق بالشهوات الجسدية. ومن هذا المعنى ما ثبت في الآثار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في صدر البعثة وهو بمكة يخرج مع أصحابه القليلين يومئذ سائحًا في البريَّة ابتعادًا بأسماعهم وأبصارهم عن أن يتعلق بها آثار الشرك، ليزداد تفرغ أتباعه لتلقي أنوار الإيمان في قلوبهم وانقطاعًا عن حظوظهم الدنيوية التي يتركونها في منازلهم اختيارًا، بإرشاد هاديهم الأكبر - عليه السلام -. وكان الرسول وأصحابه يتركون تناولَ معتاد الطعام انتقالًا من طاعة إلى طاعة لتتزين نفوسهم بأصناف الطاعات.

ففي الصحيح عن عتبة بن غزوان - رضي الله عنه - قال: "لقد رأيتُني وإني لسابع سبعة مع رسول الله ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى تقرحت أشداقنا، فالتقطت بردة (٢)


(١) السهروردي، شهاب الدين: هياكل النور، تحقيق محمد علي أبو ريان (القاهرة: دار المعرفة الجامعية، ٢٠٠٢)، ص ٨٥. وما بين حاصرتين من كلام السهروردي ولم يورده المصنف، أما عبارة "ومشاغلتها" فزيادة من المصنف.
(٢) ضرب من اللباس. - المصنف. انظر: (صحيح مسلم) (٢٩٦٧) (١٤)، و (المعجم الأوسط) للطبراني، ج ٣، ص ١٠٠، الحديث (٢٦١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>