للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر]

اعلم أن البلغاء يتفننون في كلامهم، فيأتون فيه بما لا يجري على الظاهر الشائع بين أهل البلاغة، يقصدون بذلك التمليحَ والتحسين، أو يعتمدون على نكت خفية يقتضيها الحالُ ولا يتفطن لها السامعُ لو لم يلق إليه ما يخالف ظاهر الحال (١).

فلا ينبغي أن يُعَدَّ في خلاف مقتضى الظاهر ما كان ناشئًا عن اختلاف الدواعي والنكت مع وضوح الاختلاف، كالوصل في مقام الفصل وعكسه لدفع الإيهام، ولا الإطناب في مقام الإيجاز لاستصغاء السامع، لظهور نكتة ذلك. وكذا لا يُعَدُّ ما كان ناشئًا عن علاقة مجازية، كاستعمال الخبر في الإنشاء، ولا ما كان ناشئًا عن تنزيل الشيء منزلةَ غيره مع وضوح؛ لأنه من المجاز، كالقصر الادعائي وكعكس التشبيه.

فتعين أن يوضع ذلك ونظائره في مواضعه من أبوابه، وإن كان فيه رائحةٌ من تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر، من حيث إن الأصل خلافُه، وإن الذهن لا ينصرف إليه ابتداء. وإنما يُعَدُّ من تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ما لم يكن ناشئًا عن نكتة أصلًا، وهذا لا يوصف بموافقة مقتضى الحال ولا بمخالفته. وكذا يعد منه ما كان ناشئًا عن نكتة خفية لا يتبادر للسامع إدراكُها بسهولة، وهذا يوصف بأنه مقتضى حال لكنه خفيٌّ غيرُ ظاهر.

فمن الأول الالتفات، وهو انتقالُ المتكلم من طريق التكلم أو طريق الخطاب أو طريق الغيبة إلى طريق آخر منها انتقالًا غير ملتزم في الاستعمال (٢)، نحو [قوله


(١) أردتُ بهذا أن أشير إلى أن النسبة بين مقتضى الظاهر ومقتضى الحال العمومُ والخصوص الوجهي، فيكون بين نقيضيهما وهما خلاف مقتضى الظاهر وخلاف مقتضى الحال، وقال: إن مقتضى الحال قد يكون مقتضى ظاهر وقد يكون غير مقتضى الظاهر، فتكون النسبة بين المقتضيين وبين خلاف المقتضيين العموم والخصوص مطلقًا وهو اصطلاح، والأول أولى. - المصنف.
(٢) احتراز مما كان ملتزمًا في الاستعمال بحسب قياس الكلام، مثل: أنا زيد وأنت عمرو، أو بحسب الطريقة المتبعة في نظائره، مثل نحن الذين فعلوا كذا؛ فإن طريقة العرب في ضمير الموصول أن يعود إليه بطريق الغيبة. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>