للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمةُ التشريع الإسلامي وأثره في الأخلاق (١)

الإنسان - كما قال بعضُ الحكماء - "مجموع عادات". (٢) فإذا تأملتَ أعمالَ البشر خيرها وشرَّها، فرديَّها واجتماعيَّها، وجدتَها تأوي إلى اعتياد الخير أو الشر في تفكير النفوس وأفعالها. وتجد تلك العاداتِ منبعثةً عن أمور ثلاثة: الفطرة، والفلتة المتكررة، والتلقين، فهي أنواعٌ ثلاثة لأسباب العادات النفسانية.

فالعاداتُ التي سببها الفطرة هي معظمُ عادات النفوس، وفيها الجمُّ الكثير من الكمالات النفسانية، ولولا أن النفوسَ البشرية فُطرت عليها لانخرم نظامُ العالم. ولَها أمثلةٌ كثيرة، كصدق الحديث، ووفاء الوعد، والشفقة على الضعيف، والنصيحة، وإعانة المحتاج، وحب العدل، وكراهة الظلم.

والعاداتُ التي سببها الفلتةُ المتكررة هي العاداتُ التي تنحرف لأجلها الفطرة، من خطور خواطرَ تخيِّل للمفكِّر فيها أنها تجلب له ملائمًا أو تدفع عنه منافِرًا، مثل الكذب لترويج جلب نفع أو دفع ضرر، ومثل القسوة على الضعيف لابتزاز ما يحتوي عليه من أشياء يشتهيها القاسي، ومثل الغش للإيقاع فيما يخال منه الغاشُّ تحصيلَ مطلوب له. فهذه ونحوُها تحريفاتٌ للفطرة، فإن هي كانت لقضاء


(١) الهداية الإسلامية، المجلد ١٢، الجزء ١، رجب ١٣٥٨/ أغسطس ١٩٣٩ (ص ٢ - ٥).
(٢) هذا ما يذهب إليه كثيرٌ من علماء الاجتماع والإناسة (الأنثروبولوجيا)، بقطع النظر عن الاختلاف في التفاصيل الاصطلاحية والتفريعات المنهجية داخل هذين المجالين من العلوم المختصة بدراسة الاجتماع الإنساني.

<<  <  ج: ص:  >  >>