للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه المعرفة تحصل له من علم اللغة والنحو والصرف، فإن حاول تكلمَها بدون هذه المعرفة كان مثله كما قال الحطيئة في الشعر: "يريد أن يُعْربه فيُعْجِمه" (١).

ولكنه إذا علم اللغة والنحو والصرف، فإنما يستطيع أن يعبر عن حاصل المراد وأصل المعنى، ولا يستطيع أن يُفصِحَ عن تمام المراد. فلو أراد أن يخبرك بحضور تلميذ واحد من تلامذة درسه وتخلُّف الباقين فقال لك: "حضر زياد"، لم تفهم إلا أنه أخبرك بحضور زياد لئلا تكتبه متخلفًا، ثم إذا علمت أن بقية التلامذة لم يحضروا فقلت له: ما بالك لم تخبرني بعدم حضور أنس ونافع وغيرهما؟ قال لك: ألستُ قد أخبرتك بحضور زياد ولم أذكر لك غيره؟

[[البلاغة]]

فدلَّك بقوله ذلك على قصوره في معرفة أداء جميع مراده. على أنه لو تنبه لزيادة البيان لقال: حضر زياد، ولم يحضر أنس، لم يحضر نافع لم يحضر زهير، وأخذ


(١) مثال ذلك ما حكاه الجاحظ أنه سأل رجلًا دخيلًا في العربية عن صبي أخذته الشرطة في سرقة اتُّهِم بها قائلًا: "في أي شيء أسلموا هذا الصبي؟ " فأجاب: "في أصحاب سند نعال"؛ أي في أصحاب النعال السندية. وقال مرة يشتم غلامًا للجاحظ: "الناس ويلك أنت حياء كلهم أقل"، يريد أنت أقلُّ الناس حياء، واسم هذا الدخيل نُفيس بن بريهة. وكما يريد أحد أن يقول باع فرسين فيقول: بيع فرس وفرس؛ لأنه لا يعرف كيف يصوغ ماضي باع، ولا يعرف صيغة المثنى ولا الإعراب. - المصنف. ونفيس هذا كان خادمًا للجاحظ. البيان والتبيين، ج ٢/ ٤، ص ١٦. وقيل للحطيئة: اتق الله وأوصِ، قال: أوصيكم بالشعر:
فَالشِّعْرُ صَعْبٌ وَطِويلٌ سُلَّمُهْ ... إِذَا ارْتَقَى فِيهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهْ
زَلَّتْ بِهِ إِلَى الحَضِيضِ قَدَمُهْ
وَالشِّعْرُ لَا يَسْطِيعُهُ مَنْ يَظْلِمُهْ ... يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ فَيُعْجِمُهْ
وَلَمْ يَزَلْ مِنْ حَيْثُ يَأْتِي يَحْرُسُهْ ... مَنْ يَسِمِ الأَعْدَاءَ يَبْقَ مِيسَمُهْ
ديوان الحطيئة، نشرة بعناية حمدو طمّاس (بيروت: دار المعرفة، ١٤٢٦/ ٢٠٠٥)، ص ١٣٦. وفي رواية: "يَخْرِمُهْ" بدل "يحرسه".

<<  <  ج: ص:  >  >>