للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعدد بقية التلامذة، أو استعان بحركة يديه فقال لك: حضر زياد، ثم ضرب بيديه كالنافض لهما، كأنه يشير إلى معنى فقط. فحينئذ أدى جميعَ مراده، لكن بعبارة غير سهلة ومع إشارة.

فإذا كان قد علم الكيفيةَ الخصوصية للتعبير عن هذا المراد، وهي أن يقولَ ما حضر إلا زياد، كان قد بلغ إلى أداء جميع مراده بكلام سهل. وكذا إذا أراد أن يخبرك عما أبلاه عنترة من الشجاعة والفتك في يوم من أيامه، فجعل يقول: قتل فلانًا، وجرح فلانًا، وضرب فلانًا، وضرب الفرس فأدماه وهرب راكبه، وسبى نساءهم، وحطم مشاتهم، فإنه قد دلك على جميع مراده بعبارة غير واضحة في الدلالة على جميع المراد بكلام واضح الدلالة عليه.

ولَمَّا كانت الكيفياتُ المذكورة لا تقع إلا في كلام خاصة أهل اللسان العربي، سموها بالخصوصيات نسبةً إلى الخصوص، وهو ضدُّ العموم الذي هو بمعنى الجمهور، وتسمى بالنكت أيضًا.

فالعلمُ الباحث عن القواعد التي تُصيِّر الكلامَ دالًّا على جميع المراد وواضحَ الدلالة عليه، يُدعى علم البلاغة. ثم إن هنالك محسناتٍ للكلام متى اشتمل عليها اكتسب قبولًا عند سامعه.

ولمَّا كان حُسنُ القبول يبعث السامعَ على الإقبال على الكلام بشراشره، وكان في ذلك عونٌ على إيعاء (١) جميع المراد، جعلوا تلك المحسنات اللفظية من لواحق مسائل هذا العلم، سواء كان حسنُها عارضًا للفظ من جهة موقعه المعنوي (٢)


(١) الإيعاء: بمعنى الجمع والإحاطة.
(٢) المراد بموقع اللفظ المعنوي أن معناه الموضوع له في اللغة هو هو، بحيث لا تجد له خصوصيةً في اختلاف معناه حتى يصير من مسائل علم المعاني، بل يوجد موقع يكون فيه وقوع ذلك اللفظ أحسن من وقوع غيره. فإنه لو قال: "أما والذي أبكى وأرشد" لكان وقوع لفظ "أرشد" أقل من وقوع لفظ أضحك، وكذلك لفظ "أبكى" لو وقع مع قوله "والذي أمات" لم يكن له من الحسن ما كان له في موضعه الأول. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>