كتاب جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور

الفرع الأول بحوث وتحقيقات لغوية - لفظ "كل" حقيقة في الكثرة أيضا مثل الشمول - ج: 3 - ص: 1135

لفظ "كل" حقيقة في الكثرة أيضًا مثل الشمول (١)

معلومٌ من اللغة أن كلمة (كل) اسم موضوع للدلالة على الإحاطة، وفيه إبهام اقتضى ملازمته الإضافة إلى اسم ذي أجزاء أو أفراد يبين إبهام "كل". ولكونه دالًّا على الشمول، كان ضدُّه لفظ "بعض" بشهادة فصيح الكلام، ففي الحديث الصحيح أن خرباقًا السلمي الملقب ذا اليدين لَمَّا صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العصرَ فسلم النبي - صلى الله عليه وسلم - من اثنتين أو ثلاث، قال له خرباق: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن"، قال له خرباق: "بل بعض ذلك قد كان" (٢).

---

(١) المجلة الزيتونية، المجلد ٩، العدد ٢، ١٣٥٦/ ١٩٣٧ (ص ١٣٤ - ١٣٦). وقد أعيد نشره في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الجزء الثامن، ١٩٥٥ (ص ١٩٣ - ١٩٥). وقد جاء في مجلة المجمع الحاشية الآتية: "عُرض هذا البحث لابن عاشور عضو المجمع المراسل على المؤتمر وقرر نشره في المجلة (الجلسة الثانية لمؤتمر ٢٩ من يناير سنة ١٩٥٠) ".
(٢) صحيح البخاري، "كتاب السهو"، الحديثان ١٢٢٨ - ١٢٢٩، ص ١٩٦؛ صحيح مسلم، "كتاب المساجد ومواضع الصلاة"، الحديثان ٥٧٣ - ٥٧٤، ص ٢١١ - ٢١٢؛ الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة: سنن الترمذي، نشرة بعناية خالد عبد الغني محفوظ (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ٢، ١٤٢٧/ ٢٠٠٦)، "أَبوابُ السهو" الحديث ٣٩٩، ص ١٢١. وذو اليدين - ويقال ذو الشمالين - هو عمير بن عبد عمر بن نضلة بن عمرو بن غُبشان الخُزاعي، ويُكنى أبا محمد. كان يعمل بيديه جميعًا فقيل ذو اليدين. وقيل: آخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين يزيد بن الحارث بن فُسْحُم، وقُتِلَا جميعًا ببدر، وكان ذو اليدين ابن بضع وثلاثين سنة، كذا ترجم له ابن سعد. الزهري، محمد بن سعد بن منيع: كتاب الطبقات الكبير، تحقيق علي محمد عمر (القاهرة: مكتبة الخانجي، ط ١، ١٤٢١/ ٢٠٠١)، ج ٣، ص ١٥٤. ولكن ابن حجر وغيره من العلماء خطَّؤُوا الزهري، قال في الفتح: "قوله: صلى بنا رسول - صلى الله عليه وسلم -، ظاهرٌ في أن أبا هريرة حضر القصة، وحمله الطحاوي على المجاز فقال: إن المراد به صلى بالمسلمين. وسببُ ذلك قولُ الزهري إن صاحب القصة استشهد ببدر، =