و"مَنْ يجدِّد" اسم موصول، وهو صادقٌ على من اتصف بِعِلَّتِه، وهو التجديد للدين، سواء كان المجددُ واحدًا أو متعددًا. ومعنى التجديد إرجاعُ الشيء جديدًا؛ أي إزالة رثاثته وتَخَلُّقِه، وهو هنا مجازٌ في إيضاح حقيقة الدين، وتجريده عما يلصق به من اعتقاد أو عمل أو سيرة، ليس شيءٌ من ذلك في شيء من الدين، في حال أن الناس يتوهمون شيئًا من ذلك دينًا. و"أمر الدين" شأنه وماهيته. ودين هذه الأمة الإسلام لا محالة، وهو اعتقاد وقول وعمل وشريعة وجامعة؛ فتجديدُه إرجاع هذه الأمور أو بعضها إلى شبابه وقوته وجدّته.
[دعائم الإسلام]
يقوم الإسلام على ثلاثة دعائم لا ينتظم أمرُه بدونها: الدعامة الأولى: العقيدة؛ لأن العقيدة الحقة هي أصلُ الإسلام، وهو المقصد الأعظم المسمَّى بالإيمان، والذي هو المدخل إلى التدين بدين الإسلام. ومبنى هذه الدعامة على صحة التلقي لما يجب اعتقادُه في الإسلام عن الرسول، ومن البراهين القاطعة التي يهتدي إليها العقل.
الدعامة الثانية: شرائعُ الإسلام التي لا يستقيم أمرُ الأمة الداخلة في الإسلام إلا بمتابعتها؛ إذ فيها صلاحُ أمرهم في الدنيا بانتظام جماعتهم، وسيادتهم، وبها صلاحُ أمرهم في الآخرة بسلامتهم من العذاب، من قول باللسان وعمل بالجوارح. ويدخل فيها ضمائرُ قلبية، كمحبة المؤمنين وسلامة الطوية، إلا أنها لَمَّا كانت آثارُها أعمالًا أُلْحِقت بقسم عمل الجوارح.
ومبنى هذه الدعامة على تلقِّي الشريعة من لفظ القرآن، ومن سنة الرسول وأعماله، وأفهام أئمة الدين الذين تلقوه صافيًا من شوائب الضلالات؛ حيث يكون هذا التلقي سالِمًا من اختلال نقل الرواة، ومن سوء فهم المنتمين لحمل الشريعة، ومن دخائل الملاحدة ورقاق الديانة.
الدعامة الثالثة: جامعةُ الإسلام المسماة بالبيضة، وهي سلطانُ المسلمين، وقوتهم، وانتظامُ أمرهم انتظامًا يقيم فيهم الشريعة، ويدفع عنهم العواديَ العادية