للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى "يبعث الله من يجدد" أنه يقيمه، وييسره لهذا المهم؛ لأن حقيقةَ البعث الإرسال، قال الله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: ١٩]. وقال طريف العنبري:

أَوَكُلَّمَا وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلَةٌ ... بَعَثُوا إِلَيَّ عَرِيفَهَمْ يَتَوَسَّمُ (١)

ثم تُطلق مَجازًا على الإقامة والتنصيب، قال الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)} [الإسراء: ٧٩]. ومنه قولهم: بعث فلانٌ بعيره، إذا أقامه في مبركه. وهو المراد هنا؛ لأن الله لا يبعث المجدد بأن يرسله، ولكنه يوفقه، ويرشده، ويهيئ له. فالبعث هنا بعثٌ تكويني لا بعثٌ تشريعي، فهو كقوله تعالى: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء: ٥].


(١) طريف بن تميم العنبري، من صعاليك العرب الفرسان الشعراء، لم يصلنا من شعره غيرُ قطعة في أربعة أبيات ذكرها أبو عبيدة في "الديباج"، قال: "كان فرسان العرب تَقَنَّع عكاظ، فكان أول من وضع القناع طريف العنبري، وكان فارسًا شاعرًا فأتاه حمصيصة بن جندل بن قتادة الشيباني فجعل يتأمله، فقال له طريف: مالك تشد النظر إلَيَّ؟ [فقال: ] إني لأرجو أن أقتلك. وكانت العربُ لا تقتل في الأشهر الحرم، فتعاهدا لئن تلاقيا بعد يومهما في غير الأشهر الحرم لا يفترقان حتى يقتل أحدُهما صاحبه، أو يُقتل دونه، فقال طريف:
أَوَكُلَّمَا وَرَدَتْ عُكَاظَ قبيلةٌ ... بَعَثُوا إلَيَّ عريفَهُمْ يَتَوَسَّم
وَلِكُلِّ بَكْرِيٍّ إلَيَّ عَدَاوَةٌ ... وَأَبُو رَبِيعَةَ شَانِئٌ وَمُحَلِّمُ
لَا تُنْكِرُونِي إنَّنِي أنَا ذَاكُمُ ... شَاكٍ سِلَاحِيَ فِي الْحَوَادِثِ مُعْلَمُ
تَحْتِي الأغرُّ وَفَوْقَ جِلْدِيَ نَثْرَةٌ ... زُغْفٌ تَرُدُّ السَّيْفَ وهوَ مُثْلَمُ
التيمي، أبو عبيدة معمر بن المثنى: كتاب الديباج، تحقيق عبد الله بن سليمان الجربوع وعبد الرحمن بن سليمان العثيمين (القاهرة: مكتبة الخانجي، ١٩٩١)، ص ١٤٩ - ١٥٠. والمقطوعة في البيان والتبيين (ج ٢/ ٣، ص ٦٦) وفي الأصمعيات (تحقيق عبد السلام هارون ومحمود شاكر، دار المعارف بمصر، ١٩٦٤، ص ٦٧؛ وكذلك بتحقيق سعدي ضناوي، دار الكتب العلمية ببيروت، ١٤٢٤/ ٢٠٠٤، ص ١٦٤ - ١٦٥) مع اختلاف في عدد الأبيات وترتيبها وفي بعض ألفاظها، من مثل "رسولهم" بدل "عريفهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>