بسم الله الرحمن الرحيم، وتحية طيبة مباركة على السادة العلماء الأفاضل أعضاء حفلة ذكرى المولد النبوي.
إنكم قد وضعتمونِي بمرتقًى سامٍ إذ أبلغتمونِي بواسطة صديقي العلامة الجليل الشيخ السيد محمد الخضر حسين رغبتكم في أن أكتب تحريرًا يتضمن شيئًا من السيرة النبوية، ووقع اختيارُ بعض السادة منكم على أن يكون موضوع هذا التحرير هو "أثر الدعوة المحمدية في الحرية والمساواة". وإني لأقدر اقتراحَ تعيين هذا الموضوع قدره، إذ صار هذان اللفظان في عالم الرُّقي حِبَّ النفوس وهوى القلوب، وأصبح صفاءُ أخلاق الأمم يُخْبَر بمعيارها، ورجحان المدنية يُوزن بمثاقيلها.
فحقيقٌ علينا حين نتهمَّم بذكرى مولد الرسول الأكرم - صلى الله عليه وسلم - أن لا نهجرَ من سيرته أعظمَ نواحيها، وهو ذكر مقامه في التشريع وأصوله؛ إذ التشريع أعظمُ ما لابسه الرسولُ - عليه السلام - في كل مدة رسالته، ولأجله نفحه الله تعالى بجليل صفاته، قال تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}[الجاثية: ١٨].
ولا يخفى على صاحب الذوق العربي ما في اختيار كلمة "على" من الدلالة على التمكّن من هذه الشريعة، وما في قوله:"جعلناك" من الدلالة على تكوين نفس الرسول لأجل التمكن من الشريعة. فإذا أحببنا أن نَصِفَ فضلَ شريعته على بقيَّة الشرائع المناسبَ لفضل صاحبها على بقية المشرّعين صلواتُ الله عليهم أجمعين، فليس بنا أن نتكلَّم على فروع الشريعة، ولكنا نصفها في أصولها وخصائصها.
(١) الهداية الإسلامية، المجلد ٦، الجزء ٩/ ١٠ (عدد مزدوج)، ربيع الأول - ربيع الثاني ١٣٥٣ هـ (ص ٤٥٠ - ٤٧٤).