للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طهارة هذا النسب]

طهارةُ النسب هي خلوصُه من الشكوك والأمشاج. وهذا النسبُ النبوي قد كان آباؤه في شرف مَحْتدهم وحسن سمعتهم ورئاستهم لأفضل مكان في بلاد العرب وفي العالم أجمع - وهو بيتُ إبراهيم - وتسلسلهم من إبراهيم، ما كانوا ليجعلوا اقترانَهم بالنساء إلا على طريقة العقد المسمَّى بالنكاح الذي تتقوَّم حقيقتُه من وصفين: وهما الاختصاص والشهرة اللذان هما أوثقُ ضمانٍ لصحة النسب.

فالاختصاصُ هو حقيقة النكاح، أي أن تختص المرأة برجل لا يقربها غيرُه ما دامت في عصمته لم تنفصل عنه بطلاق أو موت، وبذلك الاختصاص لا يتطرق الاحتمالُ في الأبوة والبنوة.

والشهرة أن يخطب الرجلُ المرأةَ بواسطة أوليائها أو ذوي قرابتها من رجال قبيلتها فترضى ويرضون، ويدفع إليها صداقًا، وتُزَفُّ إليه علنًا، بذلك يسلم النسب من الخفاء والادعاء. قال محمد بن السايب الكلبي النسابة: "كتبتُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - خمس مائة أم، فما وجدتُ فيهن سفاحًا ولا شيئًا مِمَّا كان عليه الجاهليةُ" (١) غيرَ النكاح. فتنزيه الله نسبَ رسوله من ذلك لكون تلك العقود محرمة إذ لم يكن يومئذ شرع يميز الحلال من الحرام؛ لأن ما عدا النكاح يعتريه الشكُّ في صحة النسب المتولِّد منه.


= عَلَى مُكْثِرِيهِمْ رِزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهُمُ ... وَعِنْد المُقِلِّينَ السَّمَاحَةُ وَالْبَذْلُ
وَإِنْ جِئْتَهُمْ أَلْفَيْتَ حَوْلَ بُيُوتِهِمُ ... مَجَالِسَ قَدْ يُشفَى بِأَحْلَامِهَا الْجَهْلُ
وَإِنْ قَامَ فِيهِمْ حَامِلٌ قَالَ قَاعِدٌ ... رشَدْتَ، فَلا غُرْمٌ عَلَيْكَ وَلَا خَذْلُ
سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ لِكَيْ يُدْرِكُوهُمُ ... فَلَمْ يَفْعَلُوا وَلَمْ يُلِيمُوا وَلَمْ يَألُوا
فمَا يَكُ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْهُ فَإِنَّمَا ... تَوَارَثَهُ آبَاءُ آبَائِهِمْ قَبْلُ
ديوان زهير بن أبي سلمى، ص ٨٣ - ٨٧.
(١) اليحصبي: الشفا، ص ١٤؛ الحلبي: إنسان العيون، ج ١، ص ٦٠. وانظر في أسماء أمهاته - عليه السلام -: ابن هشام: السيرة النبوية، ج ١/ ١، ص ٧٦ - ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>