للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المراجعة الإجمالية]

هذا وإنِّي أرى أن للاختلاف بيننا في قبول هذا الحديث مرجعًا نرجع إليه، وهو أصلُ الاختلاف في أصل عام يجري في هذا الحديث وأمثاله، ألا وهو أصلُ تغليب جانب التهمة والحذر في قبول الرواة، أو جانب حسن الظن والتسامح. وهما مقامان معلومان من قديم لأئمة الحديث، وبهما كان التفاوتُ في مراتب ضبط المحدثين وتمحيصهم ونقدهم. فقد كان عمر بن الخطاب يقول: "المسلمون عدولٌ بعضهم على بعض"، (١) ثُم لَمَّا حدثت شهادةُ الزور قال عمر: "لا يؤمّر أحدٌ في الإسلام بغير عدول" (٢).

نشأ عن ذلك اختلافُهم في هل الأصلُ في الناس هو الجرح أو العدالة. ومذهبُ المحققين - وفي مقدمتهم مالك بن أنس - أن الأصلَ في الناس هو الجرح، فلذلك قال: لا يُقبل مجهولُ الباطن، وإن كان مستورَ الظاهر. وعلى هذا القول درج جمهورُ التحقيق والضبط. (٣)


(١) جاء ذلك في كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري الذي بين فيه ما ينبغي على القاضي من الالتزام به من القواعد، فانظره كاملًا في: الدارقطني، علي بن عمر: سنن الدارقطني، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض (بيروت: دار المعرفة، ط ١، ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، "كتاب الأقضية والأحكام"، الحديث ٤٣٩١، ج ٣، ص ٤٤٧ - ٤٤٨. قال العجلوني: "أورده الديلمي عن ابن عمرو بلا سند مرفوعًا [ولكن لم أجده في فردوسه]، وابن أبي شيبة بسند إلى ابن عمرو، ويروى عن عمر من قوله". العجلوني، أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن عبد الهادى: كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس (القاهرة: مكتبة القدسي، ١٣٥١ هـ)، الحديث ٢٣٠١، ج ٢، ص ٢٠٨ - ٢٠٩.
(٢) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: "قدم على عمر بن الخطاب رجلٌ من أهل العراق فقال: لقد جئتك بأمرٍ ما له رأسٌ ولا ذنب، فقال عمر: "ما هو؟ " قال: شهاداتُ الزور ظهرت بأرضنا. فقال عمر: "أَوَقَدْ كان ذلك؟ " قال نعم. قال عمر: "والله لا يؤمر رجلٌ في الإسلام بغير العدول"". الموطأ برواياته الثمانية، "كتاب الأقضية"، الحديث ١٥٢٨، ج ٣، ص ٥٢٧ - ٥٢٨.
(٣) انظر في ذلك مثلًا الخطيب البغدادي: الكفاية في علم الرواية، ص ٩٩ - ١٠٠، السيوطي: تدريب الراوي، ص ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>