للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استقرائهم حكمًا كليًّا يتعلق بذات الحديث المروي، وليس حكمًا جزئيًّا متعلقًا بأسانيده، وهذا مقامٌ شديد في الحكم. ونظيره قولُ الإمام أبي عبد الله البخاري في باب مَنْ أُهْدِىَ له هديةٌ وعنده جلساؤه [فهو أحق بها]: "ويُذكر عن ابن عباس أن جلساءَه شركاؤه، ولم يصح"، (١) أي لم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يعين البخاري سندًا، بل جزم بعدم صحة المروي.

ولأجل حكمهم على ذات حديث: "أنا مدينة العلم" بالوضع، صار هذا الحديثُ سببَ الطعن في أبِي الصلت، (٢) حتى إنك لتجد في كلام بعضهم الاعتراضَ على مَنْ عدَّل أبا الصلت بقوله: أليس قد روى حديث "أنا مدينة العلم"، كما ذكره الحاكم في المستدرك عن العباس بن محمد الدوري عن صالح بن حبيب. (٣)

ثم إن جماعةً تظاهروا على أن أبا الصلت وضع هذا الحديث عن أبي معاوية، وذكر قليلٌ منهم أن أبا معاوية حدَّث به ثم كف عنه. وعلى كل حال، فكثرةُ الاختلاف فيه وشدة عناية الأئمة بالفحص عن رواته يُؤْذِنُ بأنه حديثٌ لم يكن معروفًا عند الحفاظ، وأنه طلع على هذه الأمة طلوع الشواظ.


(١) صحيح البخاري، "كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها"، ص ٤٢٢.
(٢) هو أبو الصلت عبد السلام بن صالح بن أيوب بن ميسرة الهروي الخراساني، مولَى عبد الرحمن بن سَمُرة القُرشي. رحل في طلب الحديث إلى البصرة، والكوفة، والحجاز، واليمن، وسمع حماد بن زيد، ومالك بن أنس، وعبد الوارث بن سعيد، وعبد الرزاق الصنعاني، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. وقدم بغداد، وحدث بها. كان من أصحاب الإمام علي بن موسى الرضا ابن الإمام بن موسى الكاظم وخادمه، وروى عنه. استقربه المأمون وجعله من خاصته، وخرج معه في بعض المغازي. كان يرد على أصحاب الفرق من المرجئة والجهمية والقدرية، وناظر بشرًا المريسي وغيره من أهل الكلام بين يدي المأمون غير مرة. توفّي أبو الصلت سنة ٢٣٦ هـ، كما ذكر الخطيب البغدادي.
(٣) وقد علق الذهبي على كلام الحاكم النيسابوري: "وأبو الصلت ثقة مأمون"، بقوله: "لا والله، لا ثقة ولا مأمون". المستدرك على الصحيحين، "كتاب معرفة الصحابة"، الحديث ٤٧٠٠، ج ٣، ص ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>