أعمال علمية أخرى. كان ذلك في ماليزيا التي قدمت إليها في شهر أبريل من العام ١٩٩١ لمواصلة الدراسة العليا بالجامعة الإسلامية العالمية. وكم كانت غبطتي بالغةً حين فرغتُ من إعداد الكتابين ودفعتُهما للنشر، وكانت سعادتي أكبر حين صدرا وكأنما كنت أنا مؤلفهما!
وحين عدتُ إلى مشروع الدراسة العليا الذي جمدته، ألفيتُني مندفعًا بدون تفكير طويل إلى أن أجعل موضوعَ أطروحتي في مقاصد الشريعة وأسس النظام الاجتماعي من خلال أعمال ابن عاشور. ولم يقف الأمر عند ذلك، بل ما أن انتهيتُ من كتابة الأطروحة حتى وجدتني منخرطًا في مغامرة ترجمةٍ لكتاب المقاصد إلى اللسان الإنجليزي على الرغم من علوّ لغته وكثافة أسلوبه فضلًا عن دقة مباحثه، متجشِّمًا بذلك الاجتهادَ في التعبير عن مفاهيم ونقل مصطلحات يشكو القاموس الفني الإسلامي في اللسان الإنجليزي من نقص كبير فيها. ولكن يسر الله، وآتت المغامرة ثمرتها، واستوى سفينُها على جودي، ثم لقي الكتابُ من أهل ذلك اللسان مَنْ يقوِّم عوجه، ويصقل عبارته، ويسبك أسلوبه.
وهكذا يبدو لي وكأنما نوعٌ من استبطان ما كان يجيش بخاطر والدي قد استبد بي وساقني سوقًا رفيقًا إلى تمتين صلتي بابن عاشور والاعتناء بتراثه مطالعة ودراسةً وتدريسًا ونشرًا، قضاءً لدَين أو قيامًا بواجب لا أدري على التحديد منشأه. وحين عزمت - في النصف الثاني من سنة ٢٠٠٦ - على جمع مقالات الشيخ ورسائله، لم أكن أتوقع أن سيمتد بيَ الزمنُ معها سنوات عدة، ولا أن سيبلغ حجمها القدر الذي بلغ.
[محاولات سابقة لجمع مقالات ابن عاشور، ولكن. . .]
ليس اعتنائي بمقالات الشيخ ابن عاشور أمرًا أُنُفًا، وإنما هو استئنافٌ واستكمال لجهود سلفت. فهناك - فيما أعلم - ثلاثُ محاولات سعى أصحابها إلى جمع شيء من تلك المقالات ونشرها في سفر واحد: الأولى نهض بها نجلُه الأستاذ عبد الملك ابن عاشور عليه رحمة الله ونشرها بعنوان "تحقيقات وأنظار في القرآن