للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على التمثل بها والحديث عنها والتشبيه بها في شعره، إذ كان هو شاعرًا، ولم يكن ابن القِرِّيَّة ولا الأصمعي بشاعرَيْن.

ومن بعد بشار أخذ ذلك الوَلَعُ يتضاءل، والبعدُ عن مخالطة العرب يتسع عند شعراء الحضر، فلم يُتح لأحد من معاصري بشار - بلْه من جاء بعده - مثلُ ما أتيح لبشار. ثم إن مطالع شعر بشار يجده مماسًّا للحوادث التاريخية من أواخر الدولة الأموية إلى أواخر عصر المهدي بالله العباسي. ولقد وَسَم بعضُ المؤرخين حوادثَ من تاريخ العصر العباسي بأبيات من شعر بشار، مثلما يقولون في سبب تنكر المهدي على وزيره يعقوب بن داود بأن أوّله قولُ بشار فيه:

بَنِي أُمَيَّةَ هُبُّوا طَالَ نَوْمُكُمُ ... إِنَّ الخَلِيفَةَ يَعْقُوبُ بنُ دَاودِ

ضَاعَتْ خِلَافَتُكُمْ يا قوم فالتَمِسُوا ... خَلِيفَةَ الله بَيْنِ الزِّقِّ والعُودِ (١)

وإذا ذكروا عمر بنَ العلاء قائدَ المنصور، عرّفوه بأنه الذي قال فيه بشار:

إذا أيقَظَتْكَ حُرُوبُ العِدَا ... فنَبِّهْ لَهَا عُمرًا ثُمَّ نَمْ (٢)

ودون ما ذكروه قد اشتمل شعره على وصف حوادث مهمة، وربما وُجد فيه من الإشارة إلى حوادث أو بقاعٍ أو رجال ما أهمل التاريخ بعضه. وكان شعر بشار فريدًا بحوز الخصلتين في تقييد كثير من تاريخهم.

[شهادة الأئمة لبشر بجزالة الشعر وسلامة الذوق]

ذكر أبو الفرج الأصبهاني في ترجمة أبي العتاهية أن بشارًا قال لأبي العتاهية: "أنا والله أستحسن اعتذارَك من دمْعِكَ حيث تقول:


(١) الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ج ٨، ص ١٨١؛ الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ٢٤٣.
(٢) ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٤ (الملحقات)، ص ١٨٢. والبيت من قصيدة من ثلاثين بيتًا قالها في مدح عمر بن العلاء الذي كان في سنة ١٦٢ من قواد الفتوح في مناطق طبرستان، وولي عاملًا عليها عام ١٦٧. قيل إنه استشهد في خلافة المهدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>