للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كمْ مِنْ صَدِيقٍ لي أُسَـ ... ـارِقُهُ البُكَاءَ مِنَ الحَيَاءِ

فَإِذَا تَأَمَّلَ لَامَنِي ... فَأَقُولُ مَا بِي مِن بُكَاءِ

لَكِنْ ذَهَبْتُ لأَرْتَدِي ... فَطَرَفْتُ عَيْنِي بِالرِّدَاءِ

فقال له أبو العتاهية: لا والله يا أبا معاذ، ما لُذْتُ إلا بمعناك، ولا اجتنيت إلا من غَرسِك، حيث تقول:

شَكَوتُ إِلَى الغَوَانِي مَا أُلَاقِي ... وَقُلْتُ لَهُنَّ مَا يَوْمِي بَعِيدُ

فَقُلْنَ: بَكَيْتَ؟ قُلْتُ لَهُنَّ كَلَّا ... وَقَدْ يَبْكِي مِنَ الشَّوْقِ الجَلِيدُ

وَلَكِنِّي أَصَابَ سَوَادَ عَيْنِي ... عُوَيْدُ قَذًى لَهُ طَرَفٌ حَدِيدُ

فَقُلْنَ: فَمَا لِدَمْعِهِمَا سَواءً ... أَكِلْتَا مُقْلَتَيْكَ أَصَابَ عُودُ؟ (١)

وذكر أبو الفرج الأصبهاني والشيخ عبد القاهر في فصل من فصول نظم الكلام من كتابه دلائل الإعجاز: "رُوي عن الأصمعي أنه قال: كنت أشدو من أبي عمرو بن العلاء وخلفٍ الأحمر، وكانا يأتيان بشارًا فيسلّمان عليه بغاية الإعظام، ثم يقولان: يا أبا معاذ ما أحدثتَ؟ فيخبرهما وينشدهما، ويسألانه، ويكتبان عنه متواضعَين له، حتى يأتي وقتُ الزوال، ثم ينصرفان. وأتياه يومًا فقالا: ما هذه القصيدة التي أحدثتَها في سَلْم بن قتيبة؟ قال: هي التي بلغتْكم؛ قالوا: بلغنا أنك


(١) الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٤، ص ٢٨ - ٢٩ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ٢/ ٤، ص ٢٣ - ٢٤ (نشرة الحسين). وانظر أبيات كل من الشاعرين على التوالي في: ديوان أبي العتاهية (بيروت: دار صادر، ١٤٠٦/ ١٩٨٦)، ص ١٨؛ ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٤، ص ٥١. وقد أورد القصةَ الراغب أيضًا، ولكن ذكر لبشار أبياتًا غير التي ذكرها أبو الفرج، وهي:
وَقَالُوا: قَدْ بَكيْتَ، فَقُلْتُ: كَلَّا ... وَهَلْ يَبْكِي مِنَ الطَّرَبِ الجَلِيدُ
وَلَكِنْ قَدْ أُصِيبَ سَوَادُ عَيْنِي ... بِعُودِ قَذًى لَهُ طَرَفٌ حَدِيدُ
فَقَالُوا: مَا لِدَمْعِهِمَا سواء ... أَكِلْتَيْ مُقْلَتَيْكَ أَصَابَ عُودُ
الأصفهاني، الراغب: محاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء، ج ٢، ص ٨٨ - ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>