حتى فرغ منها، فقال له خلف: لو قلتَ يا أبا معاذ مكان "إن ذلك النجاحَ في التبكيرِ"، "بكِّرا فالنجاح في التبكير" كان أحسن، قال بشار: إنما بنيتُها أعرابيةً وحشيةً، فقلت:"إن ذاك النجاحَ في التبكير"، كما تقول الأعراب البدَويون، ولو قلتُ:"بكِّرا فالنجاح في التبكير"، كان هذا من كلام المُوَلَّدين ولا يشبه ذلك الكلامَ، ولا يدخلُ في معنى القصيدة. قال: فقام خلفٌ فقبل بين عينيه".
قال عبد القاهر: "فهل كان هذا القول من خَلَف والنقدُ على بشار إلا للُطفِ المعنى وخفائه؟ " ثم شرح الشيخُ ما أومأ إليه بشار، وعلّله بطريقة علمية فقال: "واعلمْ أن من شأن "إن" إذا جاءت على هذا الوجه أن تُغْنِيَ غناءَ الفاء العاطفة، وأن تفيدَ من ربط الجملة بما قبلها أمرًا عجيبًا، فأنت ترى الكلامَ بها مستأنفًا غيرَ مُستَأْنَف، مقطوعًا موصولًا معًا. أفلا ترى أنّك لو أسقطتَ "إنَّ" من قوله: "إنّ ذاك النجاحَ في التبكير" لم تر الكلام يلتئم، ولرأيتَ الجملة الثانية لا تتصل بالأولى ولا تكون منها بسبيل، حتى تجيء بالفاء فتقول:"فذاك النجاح في التبكير". ومثلُه قولُ بعض العرب:
(١) الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ١٨٩ - ١٩٠ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٧٧ - ٦٧٨ (نشرة الحسين)؛ الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص ٢٧٢ - ٢٧٣. واللفظ للجرجاني، أما الأصفهاني فساق بدايةَ كلام الأصمعي على النحو الآتي: "كنتُ أَشْهدُ خلفَ بن أبي عمرو بن العلاء وخَلَفًا الأحمر يأتيان بشارًا. . ." أما الذي ذكره أبو الفرج الأصفهاني فهو خلف بن أبي عمرو العلاء، والأقرب أنه خطأ، فلم أعلم لأبي عمرو بن العلاء النحوي المقرئ ابنًا باسم خلف. وأما البيت الممثل به فلم أعثر له على نسبة.