للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل الوقف من الإسلام؟]

قد وقع في كلام الفاضل المقترِح أن الوقف ليس نظامًا إسلاميًّا، فتعيَّن أن نشرح الرادَ من كونه ليس نظامًا إسلاميًّا، فإن هذه عبارة توهم أنه يخالف نظُمَ الإسلام. وقد عللها بقوله: "بل إنه كان موجودًا عند قدماء المصريين"، إلخ. وكونُه كان موجودًا عند المصريين والرومان لا يقتضي نفيَ كونه نظامًا إسلاميًّا؛ لأن الإسلام حين شرع الوقف لم تكن له علاقةٌ بنظم المصريين ولا الرومان، (١) وحينئذٍ فوجودُه عند الأمم السابقة على الإسلام لا يزيد مشروعيتَه في الإسلام إلا قوة. وقد ثبت في المبحث السابق أن الوقف نظام إسلامي بحت، وأنه لم يكن معروفًا للعرب في الجاهلية. وقد ثبت بالسنة أن عمر - رضي الله عنه - حبس ثمغًا وصرمة بن الأكوع، والمائة سهم التي له بخيبر، وقد اشتمل على الصنف الأهلي، فإنه جاء في نص وقفه: "للفقراء وفي القربَى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل"، (٢) ولا شك أن ذوي القربَى هم قرابةُ عمر.


(١) ويضاف إلى ذلك أن الإسلام لم تأت تشريعاته لتبطل كل شيء تواضع عليه البشر ما دام فيه خير وصلاح لهم ولا ينافي قواعده وقيمه ومقاصده وأحكامه، وإنما أقامت الشريعة معادلة متوازنة بين التغيير والتقرير لما عليه البشر قوامها مراعاة الفطرة وتحقيق المصلحة ودرء المفسدة، فكانت بذلك عامة للبشر جميعًا مهما كانت أحوالهم وأوضاعهم. راجع في هذا ابن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية، ٣١٧ - ٣٤٥.
(٢) رواه أهل الصحيح. - المصنف. صحيح البخاري، "كتاب الشروط"، الحديث ٢٧٣٧، ص ٤٥١؛ صحيح مسلم، "كتاب الوصية"، الحديث ١٦٣٢، ص ٦٣٩؛ سنن الترمذي، "كتاب الأحكام"، الحديث ١٣٧٥، ص ٣٥٤؛ سنن ابن ماجه، "أبواب الصدقات"، الحديث ٢٣٩٦، ص ٣٤٣. والنص الكامل في توثيق حبس عمر كما رواه أبو داود هو: "بسم الله الرحمن الرحين، هذا ما أوصى به عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إنْ حدَثَ به حدَثٌ، أنَّ ثَمْغًا، وصرمة بن الأكوع، والعبد الذي فيه، والمائة سهم الذي بخيبر، ورقيقَه الذي فيه، والمائة الذي أطعمه محمد - صلى الله عليه وسلم - بالوادي، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها، أن لا يُباعَ ولا يشترى. ينفقه حيث رأى من السائل، والمحروم، وذوي القربى، ولا حرج على مَنْ وليه إن أكل أو آكل، أو اشترى رقيقًا منه". سنن أبي داود، "كتاب الوصايا"، الحديث ٢٨٧٩، ص ٤٦٢. والثمغ: الكَسْرُ في الرطب خاصة، ثَمَغَه يَثمَغُه ثَمْغًا. والثَّمْغُ: خلط البياض والسواد، وثمغ رأسه بالحناء والخَلوق، يَثمغُه: غمسه فأكثر، وثَمغ الثوب يثمغه ثمغًا: أشبع صَبْغه.

<<  <  ج: ص:  >  >>