للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه من المجاهرين بعداوته، ومن المسيئين معاملتَه من أتباعه، الذين يحق عليهم المثل: "عدوك العاقل خير من حبيبك الأحمق". (١) ومبنى هذه الدعامة على إقامة الحكومة الإسلامية في عظمة، وقوة، ومنعة، ونشر الإسلام بالفتوح الصالحة.

وقد رأى الصحابةُ القتالَ لإقامة جامعة الشريعة، وذود أهل العقائد الضالة، المريدين حملَ الناس على عقائدهم، كالقتال للدفاع عن بثّ الإسلام في أول أمره؛ فلذلك امتشقوا السيوف في الثأر لعثمان، وفي الانتصار لعلي على مَنْ خرج عنه، وقد قال عبد الله بن رواحة:

الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهْ ... كَمَا ضَرَبْناكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهْ (٢)


(١) لم أجده بهذا اللفظ، ويبدو أن المصنف تصرف فيه، ولفظه الشائع: "عدُوٌّ عاقل خير من صديق جاهل"، وله صيغ مختلفة في البلاد العربية، وقد ذكره الميداني على أنه من أقوال المولدين بصيغة: "من سعادة المرء أن يكون خصمه عاقلًا". الميداني، مجمع الأمثال، ج ٢، ص ٢٨٩.
(٢) ذكر ابن إسحاق البيت بلفظ غير ما أورده الصنف، وذلك في سياق كلامه على خبر عمرة القضاء في ذي القعدة من السنة التاسعة للهجرة. وهو واحد من أربعة أبيات نسبها إلى عبد الله بن رواحة، حيث قال: "وحدثني عبد الله بن أبي بكر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دخل مكة في تلك العمرة دخلها وعبد الله بن رواحة آخذٌ بخطام ناقته يقول:
خَلُّوا بَني الكفار عَنْ سبيلِهْ ... خَلُّوا فكلُّ الخير فِي رسولِهْ
يا ربِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بقِيلِهْ ... أَعْرِفُ حَقَّ الله فِي قَبُولِهْ
نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهْ ... كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهْ
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهْ ... ويُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهْ".
إلا أن ابن هشام تعقب ابن إسحاق في ذلك بقوله: "نحن قتلناكم على تأويله، إلى آخر الأبيات، لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم. والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين، والمشركون لم يُقِرُّوا بالتنزيل، وإنما يُقتل على التأويل مَنْ أقر بالتنزيل". ابن هشام: السيرة النبوية، ج ٢/ ٣، ص ١١. وهذا يعني أن الأبيات قيلت لاحقًا بعد عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنشدها عمار بن ياسر (أو غيره) في صفين، كما يوحي بذلك ما جاء في حاشية لمحققي سيرة ابن هشام في بيان المقصود بعبارة "في غير هذا اليوم" من كلام ابن هشام.

<<  <  ج: ص:  >  >>