للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمراد من الحكم الكيفية الثابتة لمفهوم الجملة المعطوف عليها، مثل حكم القصر في قوله تعالى {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧)} [الرعد: ٧]، فقد عطف جملة "ولكل قوم هاد" على جملة إنما أنت منذر؛ لأن المقصود تشريكها في حكم القصر، إذ المقصود من الجملتين الردُّ على من اعتقد خلافَ ذلك (١)، وليس للجملتين محلٌّ من الإعراب.

ويتعين الفصلُ إذا أُريد التنبيهُ على أن الجملة الثانية منقطعةٌ عن الأولى، أي غير مشاركة لها لا في الحكم الإعرابي نحو قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٤، ١٥] لم تعطف جملة "الله يستهزئ بهم" لئلا يظن السامع أنها من قولهم، ولا في مجرد الحكم المعنوي حيث لم يكن إعراب، نحو قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} [الرعد: ٧, ٨] , لم تُعطف جملةُ "الله يعلم"؛ لأنه لم يُقصد دخولُها في حكم القصر، إذ لا قصد للرد على معتقد أن الله لا يعلم ما تحمل كلُّ أنثى، إذ لم يكن في المخاطَبين من المشركين وأهل الكتاب من يعتقد ذلك. وكذا قولهم: "مات فلان رحمه الله"، فلو عطف "رحمه الله" لظن أن الجملة الدعائية إخبارٌ عن فعل الله معه.

فالفصلُ في هاته الأمثلة كلها لأجل انقطاع الجملتين بعضهما عن بعض، كما رأيت. ويتعين الفصلُ أيضًا إذا كانت الجملةُ الثانية عينَ الأولى في المعنى، أو في محصل الفائدة؛ لأن العطف يقتضي المغايرة. فالتي هي عين الأولى في المعنى نحو قول الشاعر الذي لم يعرف:

أَقُولُ لَهُ ارْحَلْ لَا تُقِيمَنَّ عِنْدَنَا ... وَإِلَّا فَكُنْ فِي السِّرِّ وَالجَهْرِ مُسْلِمَا (٢)


= إلا إذا أريد التنبيه على تكرر القول نحو: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)} [آل عمران: ١٧٣] إذا جعلنا الواو للعطف في المقول. - المصنف.
(١) أي الذين اعتقدوا أنه غير منذر وكذبوه، والذين اعتقدوا أنه لا رسولَ إلا الرسل الذين مضوا، أو اعتقدوا أنه لا رسول بعد موسى - عليه السلام -. - المصنف.
(٢) وقد استشهد به ابن هشام ولم ينسبه لأحد. الأنصاري: مغني اللبيب، ج ٢، ص ٤٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>