للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك وتفاءلوا، وقويت نفوسُهم، ودبروا المكيدةَ لجيش العدو أن يفجروا النيل إلى الجهة التي بها ذلك الجيش فغمرتها المياه، ولم يبق لجيش الفرنج جهةٌ يسلكون منها إلا جهة واحدة ضيقة.

وانتصبت جسورُ المسلمين على النيل عند أشمون، وعبرت عليها عساكرهم، فملكوا الطريقَ الذي يستطيع الفرنج سلوكه إلى دمياط، وقاتلوا سفائن الفرنج المشتملة على الذخائر الحربية والميرة. فلما لم يبق للفرنج مخلص، سُقط في أيديهم، وراسلوا الملكين الكامل والأشرف يطلبون الأمان، وتم الصلح على إرجاع دمياط للمسلمين، وأخذ المسلمون عشرين بين ملك وأمير من الفرنج رهائن على تسليم دمياط. فيكون الملك الكامل صاحبُ مصر هو المجدد على رأس المائة السابعة، بمعونة أخويه الملك الأشرف والملك المعظم.

وفيما الناسُ بَهِجُونَ بخضد شوكة المعتدين من النصارى وإجلائهم عن معظم البلاد بالشرق، إذ طلعت سنةُ سبع عشرة وستمائة (٦١٧ هـ) بنار فتنة طار شررُها ولم يلبث أن صار لهيبًا، تلك هي فتنةُ ظهور جنكيز خان ومَنْ معه من التتر - وهم يومئذ كفرةٌ مفسدون في الأرض، مناوئون للمسلمين - إذ خرجوا من تخوم الصين في حدود تركستان، وجاسوا خلال بلاد الإسلام، وتكالبوا على المسلمين. وحسبك وصفا لحالهم كلامُ ابن الأثير في تاريخه الكامل، وقد شهد وقت ظهورهم وخرج من الدنيا ولم يدر إلى أين مصيرهم، قال: "من ذا الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن ذا الذي يهون عليه ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عمت الخلائقَ وخصت المسلمين، فلو قال قائلٌ إن الناس منذ خلق آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقًا". (١)


(١) أورد المصنف كلام ابن الأثير بشيء من التصرف، ولعله من المناسب سوقه هنا كاملًا ليتبين مدى الوقع الذي كان للزحف التتري على الوعي الإسلامي مما أعرب عنه قلم هذا المؤرخ. قال: "لقد بقيتُ عدة سنين مُعرِضًا عن ذكر هذه الحادثة، استعظامًا لها، كارهًا لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلًا =

<<  <  ج: ص:  >  >>