للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتد ساعدُ الدولة الإسلامية، ونضجت حضارةُ المسلمين من سائر نواحيها، فأصبحوا أمةً مستكلمةَ الجهاز في كل ما تسابقت فيه الأمم الماضية والمجاورة من ميادين الحضارة والرقي: تفكيرًا وعلمًا، ونظامًا ورفاهية، وقوة وسيادة على العالم.

وتوفر لدى المسلمين في خلال القرون الخمسة التي مضت من وقت ابتداء الجامعة الإسلامية ما لم يتوفر لغيرهم من الأمم الحاضرة والغابرة، فطنوا أن الدهر طوع أمرهم والحوادث لا تسير إلا على حسب مناهم، وأنساهم توالِي النعم ما تأتِي به الحوادثُ من الرزايا. وما درَوْا أن الدهر الذي يواجههم بقوله: "ملكت يداك"، (١) هو ينشد من ورائهم في التفاته: "غير لاه عداك". (٢)


(١) إشارة إلى قول النظام:
كَيْمَا أَرَاكَ وَتِلْكَ أَعْظَمُ مِنَّةٍ ... مَلَكَتْ يَدَاكَ بِهَا رَقِيقَ فُؤَادِي
- المصنف. وهو أبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظام، البصري، من أئمة المعتزلة، تبحر في علوم الفلسفة والكلام، وانفرد بآراء خاصة، وقد تابعته فرقة النظامية نسبة إليه. توفي سنة ٢٢١ هـ وقيل ٢٢٣. والبيت الذي ذكره المصنف يروى بلفظ مختلف، وهو من مقطوعة من رقيق الشعر يقول فيها النظام:
يَا تَارِكِي جَسَدًا بِغَيْرِ فُؤَادِ ... أَسْرَفْتَ فِي الْهِجْرَانِ وَالإِبْعَادِ
إِنْ كَانَ يَمْنَعُكَ الزِّيَارَةَ أَعْيُنٌ ... فَادْخُلْ عَلَيَّ بِعِلَّةِ الْعُوَّادِ
كَيْمَا أَرَاكَ وَتِلْكَ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ ... مَلَكَتْ يَدَاكَ بِهَا مَنِيعَ قِيَادِي
إِنَّ الْعُيُونَ عَلَى الْقُلُوب إِذَا حَنَتْ ... كَانَتْ بَلِيَّتُهَا عَلَى الأَجْسَادِ
بلبع، عبد الحكيم: أدب المعتزلة إلى نهاية القرن الرابع الهجري (القاهرة: دار نهضة مصر، ط ٢، ١٩٦٩)، ص ٣٣٦.
(٢) إشارة إلى قول الشاعر:
غَيْرُ لَاهٍ عِدَاكَ، فَاطَّرِحِ اللَّهْـ ... ـوَ وَلَا تَغْتَرِرْ بِعَارِضِ سِلْمِ
- المصنف. البيت من شواهد ابن عقيل في شرحه على الألفية (باب المبتدأ والخبر)، ولم أقف على قائله، ولا محققُ الكتاب المذكور. المصري الهمداني، بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي: شرح ابن عقيل، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (القاهرة: دار التراث، ط ٢٠، ١٤٠٠/ ١٩٨٠)، ج ١، ص ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>