للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - ومنها أن يكون السائل أهلًا لاستفادة ما سأل عنه إذا كان المراد بالسؤال التعلم لقول علي - رضي الله عنه -: "حدثوا الناسَ بما يفهمون، أتريدون أن يُكَذَّبَ اللهُ ورسوله؟ " (١) وقد قيل: إن هذا الكلام يرفعه عليّ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (٢)

وقال عبد الله بن مسعود: "ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولُهم إلا كان لبعضهم فتنة". (٣) فإن للمعلومات مراتب: منها ما تستطيع دركَه عقولُ الجميع، ومنها ما لا يفهمه إلا الخاصة.

قال الغزالي في الإحياء: "وسئل بعضُ العلماء عن شيء فلم يجب، فقال السائل: أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كتم علمًا نافعًا جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار"؟ فقال: اترك اللجام واذهب، فإن جاء مَنْ يفقهه وكلمته فليُلجمني، فقد قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥]، تنبيهًا على أن حفظَ العلم ممن يفسده ويضره أوْلَى (من حفظ المال)، وليس الظلمُ في إعطاء غير المستحق بأقلَّ من الظلم في منع المستحق، (وأنشد):

أَأَنْثُرُ دُرًّا بَيْنَ سارِحَةِ النَّعَمْ ... فَأُصبِحُ مَحْزُونًا بِرَاعِيَةِ الْغَنَمْ

لأَنَّهُمْ أَمْسَوْا بِجَهلٍ لِقَدْرِهِ ... فَلَا أَنَا أُضْحِي أَنْ أُطَوِّقَهُ البُهُمْ

فَإِنْ لَطَفَ اللهُ اللَّطِيفُ بِلُطْفِهِ ... وَصَادَفْتُ أهْلًا لِلْعُلُومِ وللْحِكَمْ

نَشَرْتُ مُفِيدًا وَاسْتَفَدْتُ مَوَدَّةً ... وَإِلَّا فَمَخْزُونٌ لَدَيَّ وَمُكْتَتَمْ


(١) صحيح البخاري، "كتاب العلم"، الحديث ١٢٧، ص ٢٧.
(٢) قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء للغزالي: "حديث: "كلموا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون. أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟ "، رواه البخاري موقوفًا على علي، ورفعه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي نعيم". إحياء علوم الدين، ج ١، ص ٥٨.
(٣) صحيح مسلم، "المقدمة"، الحديث ٥، ص ١٣ (وقد خرجه في "باب النهي عن الحديث بكل ما يسمع").

<<  <  ج: ص:  >  >>