للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن الأظهر أن يكون هذا المجددُ واحدًا؛ لأن اضطلاعه بالتجديد وهو واحد يكون أوقع؛ إذ يكون عمله متحدًا، ويكون أنفذ؛ إذ يسلَمُ مِنْ تطرُّق الاختلاف باختلاف الاجتهاد في وسائل المقصد. وربما اقتضى حالُ الزمان أن يكون المجدد متعددًا في الأقطار بأن يقوم في أقطار الإسلام مجددون دعوتهم واحدة، أو يكون رجلان فأكثر متظاهرين على عمل التجديد في موضع واحد.

ولقد جَوَّز ابنُ السبكي أن يكون ابنُ سريج وأبو الحسن الأشعري مجددَيْن في نهاية المائة الثالثة: أولهما في الفروع، وثانيهما في الأصول. ولا مانعَ من قيام رجلين بمهم واحد؛ فقد ظهر ذلك في أعظم مهم وهو الرسالة، إذ أرسل الله موسى وأخاه هارون إلى بني إسرائيل وفرعون وملئه، وأرسل رسولَيْن إلى أهل القرية ثم عززهما بثالث، كما جاء في سورة يس. (١)

ويُشترط أن يكون المجددُ قد سعى لعمل في التجديد من تعليم شائع أو تأليف مبثوث بين الأمة، أو حمل الناس على سيرة، بحيث يكون سعيُه قد أفاد المسلمين يقظةً في أمر دينهم، فسار سعيُه بين المسلمين، وتلقَّوْه وانتفعوا به من حين ظهوره إلى وقت إثماره، سواءً كان حصولُ ذلك دفعة واحدة أم تدريجيًّا.

ويشترط أن يظهر المجدد في جهة تتجه إليها أنظارُ المسلمين، وتكون سمعتُها بموضع القدوة للمسلمين، مثل أن يكون من أهل الحرمين، أو من مقر الخلافة، أو من البلاد التي تعنوا إليها وجوه المسلمين، مثل مصر في بعض عصور التاريخ. ولذلك نجزم بأن مظهر المجددين الذين ظهروا في عصور الإسلام كان هو الشرق؛ إذ يلزم أن يكون عمله نافعًا لجميع الأمة لا لصقع خاص.


(١) وذلك قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤)} [يس: ١٣, ١٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>