للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلِمٌ مفردة، وأن الفضيلةَ وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها وما أشبه ذلك". (١) فيدخل في قوله "وما أشبه ذلك" ما ذكرناه هنا، وقد بسط هذا وكرره في مواضع من "دلائل الإعجاز". وقال التفتازاني في شرح قول المفتاح: "وأصلُ الحسن في جميع ذلك أن لا تكون المعاني توابعَ الألفاظ" (٢)، ما نصُّه: "إن المعاني إذا تُركت على سجيتها طَلبَتْ لأنفسها ألفاظًا تليق بها، فيحسُن اللفظُ والمعنى جميعًا. وإذا أُتِي بالألفاظ متكلَّفةً وجُعلت المعاني تابعة لها، فات الحسنُ لفواتِ ما هو المقصد الأصلي والغرض الأولي، بل ربما صارت جهةُ حُسْنِ الكلام جهةَ قبحٍ لكون الكلام كظاهر مُمَوَّه على باطنٍ مُشَوَّه". (٣)

فيجب على المتعلِّمِ الاهتمامُ أولَ الأمر بإيجاد المعاني، والبحثُ عن الحَسَن منها، ومحاولةُ التعبير عن الحوادث والصفات ومظاهر المخلوقات، فإن ذلك أسهلُ تناولا. ثم يرتقي إلى التعبير عن الوجدانيات النفسية، ثم إلى التعبير عن الحقائق الحِكْمِية ونحوها. ولا ينبغي للمتعلِّم أن يجعل جلَّ عنايته باقتباس آثار الكاتبين ونقل معانيهم؛ لأن اعتمادَ ذلك يُصَيِّره غيرَ قادرٍ على مجاوزة معاني السالفين. نعم، يجوز له ذلك في ابتداء التعلم إذا لم يستطع في وقت من الأوقات إحضارَ معنى أن يأخذ رسالة أو شعرًا، فيحوي معانيه دون ألفاظه، ثم يُكَلِّف نفسَه التعبيرَ عنه.


(١) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص ٤٦. وما بين الحاصرتين من كلام الجرجاني، ولم يورده المصنف.
(٢) أورد المصنف كلام السكاكي بشيء من التصرف، ولفظه: "وأصل الحسن في جميع ذلك أن تكون الألفاظُ توابعَ للمعاني لا أن تكون المعاني لها توابع". مفتاح العلوم، ص ٥٤٢ - ٣٨٧ (نشرة هنداوي).
(٣) ساق المصنف كلام التفتازاني بتصرف، ولفظه: "أي: لا تكون المعاني توابع للألفاظ؛ ذلك لأن المعاني إذا تُركت على سجيتها طَلبَتْ لأنفسها ألفاظًا تليق بها، فيحسن اللفظ والمعنى جميعًا، وإن أتى بألفاظ متكلفة مصنوعة، وجعل المعاني تابعة لها كان كظاهر مموه على باطن مشوه، ولباس حسن على منظر قبيح، وغمد من ذهب على نصل من خشب". التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر: المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم، تحقيق عبد الحميد هنداوي (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، ص ٧٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>