للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم". (١)

أفترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشح على ابنته بخادم من جملة رقيق أفاءه الله عليه؟ كلا، ولكنه اختار لها الزهد على الترفه، وقد قال لأبي الهيثم في الحديث الذي سأذكره: "إذا أتانا سبي فإننا نعطك خادمًا ومن أجل ذلك أيضًا خير رسول الله أزواجه أمهات المؤمنين لما نزلت آية التخيير: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)} [الأحزاب: ٢٨, ٢٩]، وقال لعائشة وكانت الصغرى فيهن قبل أن تختار: "ما عليك أن تستأمري أبويك"، وكذلك كان أبو بكر وعمر.

وأوضح ما يبين ذلك ما روي عن حفصة أم المؤمنين أنها قالت لأبيها عمر بن الخطاب: "لو لبست ثوبًا ألين من ثوبك وأكلت طعامًا أطيب من طعامك فقد وسع الله في الرزق وأكثر من الخير، فقال عمر: يا بنية كيف رأيت عيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: والله يقيم الشهر لا يوقد في بيته سراج ولا تغلي له قدر، قال: فكيف رأيت عيش صاحبه؟ (يعني أبا بكر)، قالت مثل ذلك. قال: فما تقولين في ثلاثة أصحاب مضى اثنان على طريقة واحدة وخالفهما الثالث أفيلحق بهما؟ قالت: لا، قال: فأنا ثالثهما ولا أزال على طريقهما حتى ألحق بهما. "فسماها عمر طريقة، وعلم أنها طريقة فاضلة ومرادة لصاحبيه، وأنه إن عدل عنها لم يلحق في الدرجة بصاحبيه.


(١) "عن شعبة قال: حدثني الحكم، عن ابن أبي ليلى: حدثنا علي: أن فاطمة عليها السلام أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغه أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته عائشة، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: "على مكانكما". فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: "ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أو أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم"". صحيح البخاري، "كتاب النفقات"، الحديث ٥٣٦١، ص ٩٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>