للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإحن على البرآء (١). وإما وادَعْتَنا إلى أن تضع الحواملُ، فتُسدَل الأُزُر، وتُعقد الخمرُ فوق الرايات".

فأجابهم امرؤ القيس بقوله: "لقد عَلمتِ العربُ أنه لا كُفْءَ لحُجر في دم، وإني لنْ أعتاضَ عنه جملًا ولا ناقة، فأكتسبَ به سُبَّةَ الأبد، وفتَّ العَضُد. وأما النَّظِرَةُ فقد أوجبتها الأَجنةُ في بطون أمهاتها، ولن أكونَ لعطبها سببًا وستعرفون طلائعَ كندة من بعد ذلك تحمل في القلوب حَنَقًا (٢)، وفوق الأسنة علقًا، أتُقيمون أم تنصرفون؟ قالوا: بل ننصرف باسوأ الاختيار". (٣)

وأما مثالُ الرِّقَّة، فيوجد كثيرًا في النَّظْم والنثر، وهي في النظم أكثر. ومِنْ جيِّد ما اشتمل عليها في النثر قولُ الوزير أبي المطرِّف ابن الدباغ الأندلسي (٤) من رسالة:

"طلع علينا هذا اليومُ فكادَ يُمْطِرُ من الغضارةِ صحوُه، ويقبِسُ من الإنارةِ جوُّه، وَيُحْيِي الرميمَ اعتدالُه، ويُصْبِي الحليمَ جمالُه، فلفَّتْنا زهرتُه، ونَظَمَتْنا بَهجتُه، في


(١) النزاء بالضم الوثوب. - المصنف.
(٢) الحنق الغضب الشديد. - المصنف.
(٣) من الواضح أن المصنف اعتمد في نقل هذا النص إما على ابن الأثير أو القلقشندي، وفي كليهما اضطراب كبير من تصحيف وحذف وزيادة، ونص الحكاية كما ساقها الأصفهاني أكثر سلاسة واتساقًا ورونقا. وذكر أبو الفرج أن امرئ القيس قبل سؤاله وفد بني أسد: أتُقيمون أم تنصرفون؟ أنشد البيت الآتي:
إِذَا جَالَتِ الْحَرْبُ فِي مَأْزِقٍ ... تُصَافِحُ فِيهِ المَنَايَا النُّفُوسَا
الأصفهاني: الأغاني، ج ٣/ ٩، ص ٥٨٥ - ٥٨٦ (نشرة الحسين)، ابن الأثير: المثل السائر، ج ١، ص ١٧٤ - ١٧٦؛ القلقشندي، أحمد بن علي: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، تحقيق محمد حسين شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، بدون تاريخ)، ج ٢، ص ٢٢٨ - ٢٢٩.
(٤) هو الوزير الكاتب أبو المطرِّف عبد الرحمن بن فاخر المعروف بابن الدباغ، قال فيه ابن بسام: "أحد مَنْ خُلِّيَ بينه وبين بيانه، وجرى السحرُ الحلال بين قلمه ولسانه". ابن بسام الشنتريني، أبو الحسن علي: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق إحسان عباس (بيروت: دار الثقافة، ١٤١٧/ ١٩٩٧)، ج ٣/ ١، ص ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>