للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منصِبك وشرف أعراقك (١) وكرم أصلك في العرب مَحْتِدٌ (٢) يَحتمل ما حمُل عليه من إقالة العثرة، ورجوع عن الهفوة. ولا تتجاوز الهممُ إلى غايةٍ إلا رجعتْ إليك، فوجدتْ عندك من فضيلة الرأي وبصيرة الفهم وكرم الصفح (٣) ما يَطُولُ رغباتِها ويستغرق طِلْبَاتِها (٤). وقد كان الذي كان من الخطب الجليل الذي عَمَّتْ رزيَّتُه نزارًا واليمن، ولم تُخْصَصْ بذلك كندةُ دوننا، للشرف البارع الذي كان لحُجْر. ولو كان يُفْدَى هالكٌ بالأنفس الباقية بعده، لما بَخِلَتْ كرائمُنا بها على مثلِه، ولكنه مضى به سبيلٌ لا يرجع أُخْرَاهُ على أُولَاه، ولا يلحق أقصاه أدناه. فأَحمدُ الحالاتِ في ذلك أن تَعرِفَ الواجبَ عليك في إحدى خلالٍ ثلاث: إمَّا أنِ اخترتَ من بني أسد أشرفَها بيتًا وأعلاها في بناء المكرمات صوتًا، فَقُدْنَاه إليكَ بنِسْعِة (٥) تذهبُ مع شفراتِ حُسامِك بباقي قَصَرَته (٦)، فنقول: رجلٌ امتُحِن بهالكٍ عزيزٍ فلم يستلَّ سخيمتَه إلا بِمُكْنَتِهِ من الانتقام (٧). أو فداءٌ بما يروحُ على بني أسدٍ من نَعَمِها، فهي ألوفٌ تجاوز الحِسبة، فكان ذلك فداءً رجعتْ به القُضُبُ (٨) إلى أجفانها، لم تَرْدُدْهَا بسليط (٩)


(١) الأعراق بفتح الهمزة جمع عرق وهو أصل الشيء يريد كرم الأصول - المصنف.
(٢) المحتد بفتح الميم وكسر التاء الأصل والطبع. - المصنف. وذلك حسب ما أورده ابن الأثير والقلقشندي. وعند الأصفهاني، مُحْتَمَل عوض محتد.
(٣) جاء عند الأصفهاني مباشرة بعد هذا: "في الذي كان من الخطيب الجليل الذي عمت رزيته نزارًا واليمن".
(٤) الطلبات بكسر الطاء جمع طلبة كذلك، وهي اسم مصدر طالبه مطالبة - المصنف.
(٥) النِّسْع، بكسر النون، سير يُنسج عريضًا على هيئة أعنة النعال تُشد به الرحال - المصنف.
(٦) القُصَرَة بالتحريك أصل العنق - المصنف.
(٧) السخيمة الحقد والغضب، والظاهر أنه أراد أن الرجل لم يغضب ولم يدافع. وقوله "إلا بمكنته" تأكيد بما يشبه الضد، وعليه فالسخيمة والمكنة مضافان للفاعل. ويصح أن يكون المراد بالرجل هو امرؤ القيس، أي لم يذهب غيضه إلا بتمكينه من الانتقام، فالمكنة مضافة للمفعول - المصنف.
(٨) القضب جمع قضيب وهو السيف اللطيف - المصنف.
(٩) سليط الأحن الحقود - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>