للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا وقع الانتقالُ من غرض إلى غرض ساغ اختلافُ الوصف، وانظر بلاغة قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: ٢٢]، فهو من السهولة، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ} [النور: ٢٣]، فهو من الجزالة.

وقد اختلف ذلك أيضًا في قول أبي فراس - حين أسره الروم - يستنهض سيفَ الدولة لفدائه منهم، وتخلل من غرض إلى غرض، ثم رجع فأجاد في ذلك:

رقة: دَعَوْتُكَ لِلْجَفْنِ الْقَرِيحِ المُسَهَّدِ ... لَدَّي، وَلِلنَّوْمِ الطَّرِيدِ المُشَرَّدِ

جزالة: وَمَا ذَاكَ بُخْلًا بِالحْيَاةِ، وَإنَّهَا ... لأَوَّلُ مَبْذُولٍ لأَوَّلِ مُجْتَدِ

جزالة: وَلَكِنَّنِي أَخْتَارُ مَوْتَ بَنِي أَبِي ... عَلَى سَرَوَاتِ الخْيْلِ غَيْرَ مُوَسَّدِ

رقة: وَتَأْبَى وَآبَى أَنْ أَمُوتَ مُوَسَّدًا ... بِأَيْدِي النَّصَارَى مَوْتَ أَكْبَد أَكْمَدِ (١)

ولْنُمثِّلْ لما شمل السهولةَ والجزالة بكلام شيوخ بني أسد مع امرئ القيس يسألونه العفو عن دم أبيه فتكلم قبيصة بن نعيم الأسدي فقال:

"إنك في المحلِّ والقدر من المعرفة بتصرُّف الدهر وما تُحدثه أيامه وتنتقَّل به أحوالُه، بحيث لا تحتاج إلى تذكيرِ من واعظٍ ولا تبصير مجرِّب. ولك من سُؤْدَد


= في شملة، ثم قال: "أسائلكم هل يقتل الرجل الحبُّ؟ "، فهذا مخنَّثٌ يتفكَّك. قال الأصمعي: فقلت: له: يا أمير المؤمنين، قول مادحك: "يا زائرينا من الخيام"، أعرابي في شملة، "حَيَّاكُمُ اللهُ بالسَّلَام" مخنث في يده دفُّ". المرزباني: الموشح، ص ٢٣٤ - ٢٣٥. وانظر كذلك: الأصفهاني، الأغاني، ج ٣/ ٨، ص ٢٩٥؛ القالي: كتاب الأمالي، ص ٥٣٨. والمادح هو أبو الحارث صالح بن حسان المدني، قيل الأنصاري، النضرى، نزيل البصرة، روى عن محمد بن كعب القرظي وغيره، وروى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. وقد ضعفه علماء الحديث، بل قالوا: منكر الحديث، وليس بشيء. ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال، ج ٥، ص ٧٧ - ٨٠.
(١) الأبيات هي الأول والثاني والسادس والسابع من القصيدة المذكورة، وأبياتها إثنان وخمسون. ديوان أبي فراس الحمداني، ص ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>