للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر الله فيها بالعدل، والعدل في لسان العرب جاء من المعادلة وهي المساواة والمماثلة، وهو هنا التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، من معادلة الميزان (وهي توسط لسانه) إذا استوت كفتاه. فأمر بأنواع العدل كلها في الاعتقاد والأعمال والمعاملات. فالعدل في الاعتقاد هو التوسط بين الوثنية والمادية (١)، وفي الأعمال عدل الحكام، والتيسير في الدين التوسط بين التساهل والتشدد، وفي المعاملات معاملة المرء نفسه بمنعها مما يضر بها من شهواتها وتخويلها ما ينفعها من مرغوباتها، وبينه وبين الخلق ببذل النصيحة بلطف وترك الخيانة والإنصاف من نفسه لهم، وأن يمسك عن أذاهم ولا يدع من يجترئ عليه منهم.

أما الإحسان فهو من أحسن إذا فعل حسنًا، فاحترام الكبار والشفقة على الأطفال والضعفاء والصدقة والعفو كلها من الإحسان، وكذا الشفقة على الحيوان، وفي الحديث: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء". (٢) عطف الله على الإحسان إيتاء ذي القربى وهو إعطاء من له بك قرابة، لينبه على أن أكبر الإحسان وأولاه بالتنصيص إعطاء الأقربين كي لا يظن أحد أن ليس من الإحسان ما يعطي لأقاربه، فيذهب ينفق مالَه على الأبعدين فقط، وربما كان في أقاربه مَنْ هو أحوجُ منهم، وفي إعطاء أقاربه صلةٌ لأرحامهم ومجلبةٌ لحبهم. وذلك من مبادئ الاتحاد، وهو إحسانٌ


= اشتهر في أيام النعمان بن المنذر الذي قتله كسرى، قبيل الإسلام. ولما أغارت قبائل العرب على سواد العراق، بعد مقتل النعمان، كان مفروق ممن أغار، وله في ذلك شعر. واسم مفروق: النعمان، وهو بمفروق أشهر. أدرك الإسلام، ووفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع جماعة من بني شيبان، فكان أطلقهم لسانًا وأجملهم طلعة. قال أبو نعيم: ولا أعرف له إسلامًا. ويقال، كما في النقائض: قتله قعنب بن عصمة يوم "الإياد"، ودفق في ثنية بين الكوفة وفيد سميت بعده "ثنية مفروق". توفي نحو سنة ٨ للهجرة.
(١) لعله يقصد بالمادية النزعات الإلحادية التي تنكر وجود الإله الخالق.
(٢) جزء من حديث تمام لفظه: "إن الله كتب الإحسانَ على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحِدَّ أحدُكم شفرتَه، ولْيُرِحْ ذبيحته". صحيح مسلم، "كتاب الصيد"، الحديث ١٩٥٥، ص ٧٧٧ - ٧٧٨؛ سنن الترمذي، "كتاب الديات"، الحديث ١٤٠٩، ص ٣٦١. واللفظ للترمذي.

<<  <  ج: ص:  >  >>