للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أصولها، فأرجع العصبة للاتحاد، والحق للمظلوم، والكرم للمحتاج، والشجاعة في حماية الحق، والبلاغة في التعليم والدعاء للخير. ماذا أَعُدُّ من غلو العرب ومن تعديل الإسلام؟ ولو استُقصي ذلك لكان كتابًا في أخلاقهم وإصلاحها، فما ظنك بما عند غيرهم من معاصريهم؟ ومن يُلم بالتاريخ إلمامة يعلم المراد مما أجملناه.

فجاء الإسلام يجهر بذم هاته المساوئ والغلو فيها، قال: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)} [ص: ٨٦]، {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: ١٧١]. وجاءت في أصول الإسلام كلمةٌ جامعة، وهي عون كبير على تحقيق ما بيناه من قبل وما سنقوله من بعد، ألا وإنها آية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ [وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ]} [النحل: ٩٠]، استقصت هاته الآية ما يتصل بالتكليف فرضًا ونفلًا، وما يشهد للأخلاق والآداب عمومًا وخصوصًا، وهي التي قامت وقعدت لها حكماء العرب [عندما] نزلت بمكة في صدر الإسلام حين قال مفروق بن عمرو للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "إلى ما تدعونا أخا قريش؟ فتلا عليه الآية، فقال: دعوتَ والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك". (١)


(١) ذكر البيهقي بعد أن حكى قدوم وفد شيبان بن ثعلبة وما دار بينهم وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن مفروقًا قال: "وإلام تدعونا يا أخا قريش. . . فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)} [النحل: ٩٠]، فقال مفروق بن عمرو: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قومٌ كذبوك وظاهروا عليك". البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق عبد المعطي قلعجي (بيروت: دار الكتب العلمية/ القاهرة: دار الريان للتراث، ط ١، ١٤٠٨/ ١٩٨٨)، ج ٢، ص ٤٢٥. ومفروق هو مفروق بن عمرو (الأصم) بن قيس بن مسعود الشيباني، فارس شاعر جاهلي، من سادات بني شيبان. كان هو وأبوه شاعرين، ومفروق أشعر. وهو القائل من أبيات:
فَلَأَطْلُبَنَّ الْمَجْدَ غَيْرَ مُقَصِّرٍ ... إِنْ مُتُّ مُتُّ وَإِنْ حَيِيتُ حَيِيتُ =

<<  <  ج: ص:  >  >>