للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول الصاحبُ ابن عباد من رسالة في وصف منهزمين: "طاروا واقين بظهورِهم صدورَهم، وبأصلابِهِم نحورَهم" (١)، فإنه لم يزد على حسن التعبير عن الحالة المشاهدة، وقول أبي نواس في وصف كؤوس ذهب بها تصاوير:

تُدَارُ عَلَيْنَا الرَّاحُ فِي عَسْجَدِيَّةٍ ... حَبَتْهَا بِأَنْوَاعِ التَّصَاوِيرِ فَارِسُ

قَرَارَتها كِسْرَى وِفِي جَنبَاتِهَا ... مَهًا تُدَرِّبُهَا بِالْقِسِيِّ الْفَوَارِسُ (٢)

ويُسمى المعنى الحاصل بذلك بسيطًا؛ إذ الفضلُ - كما قلنا - للتعبير.

وأما الشُّهرةُ فهي عبارةٌ عن شيوعِ المعنى، حتى لا يكاد يتكلَّف المتكلِّمُ في استحضاره شيئًا من عمل الفكر، ويُسمى بالمعنى بالمبتذل. ويدعو البليغَ إليه إما تعيُّنُه، وإما كونُ المقام مقامَه، كخطاب العوام والصغار. وينبغي أن تُجَنَّبَ عنه مقاماتُ الإبداع والصَّنعة. ولذلك نعيب على ابن الخطيب - رحمه الله - قولَه في وصيته البديعة: "والطهارة التي هي في تحصيلها سببٌ موَصِّل، وشرطٌ لمشروطها مُحصِّل، فاستوفوها، والأعضاءَ نظِّفوها، ومياهها بغير أوصافها الحميدة فلا تصفوها، والْحُجولَ والغُرر فأطيلوها. . ." إلخ" (٣)؛ فإنه ما كان مترقَّبًا من مثل ذلك


= البِراز، فدعا أبو مسلم أبا دلامة إلى مبارزة ذلك الرجل، فقال البيتين، فضحك الخراساني وأعفاه. الأغاني، ج ٤/ ١٠، ص ٢٠١ (نشرة الحسين). وفيه "وجَدِّك" بدل "وَحَقِّكَ".
(١) ابن حجة الحموي، أبو بكر بن علي بن عبد الله: خزانة الأدب وغاية الأرب، تحقيق كوكب دياب (بيروت: دار صادر، ط ٢، ١٤٢٥/ ٢٠٠٥)، ج ٤، ص ٢٨٠.
(٢) هما السادس والسابع من مقطوعة من ثمانية أبيات مطلعها: "وَدَارِ نَدَامَى عَطَّلوهَا وأَدْلَجُوا". ديوان أبي نواس، شرح محمود أفندي واصف (القاهرة: المطبعة العمومية بمصر، ١٨٩٨)، ص ٢٩٥؛ ديوان أبي نواس (بيروت: دار صادر، بدون تاريخ)، ص ٣٦١.
(٣) وهي وصية طويلة كتبها لأبنائه حين شعر بدنو أجله، وقد أوردها كاملة المقري، وفاتحتها: "الحمد لله الذي لا يروعه الْحِمامُ المرقوب، إذا شيم نجمه المثقوب، ولا يبغته الأجل المكتوب، ولا يفجؤه الفراق المعتوب. . ."، وخاتمتها: "هذه أسعدكم الله وصيتي التي أصدرتها، وتجارتي التي لربحكم أدرتها، فتلقَّوْها بالقبول لنصحها، والاهتداء بضوء صبحها. . . كان الله خليفتي عليكم في كل حال، فالدنيا مُناخُ ارتحال، وتأميل الإقامة فرض محال، فالموعد للالتقاء دارُ البقاء، جعلها الله =

<<  <  ج: ص:  >  >>