للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليهودي قال: "لما قدم رسول الله المدينة جئتُه لأنظر إليه فلما استبنت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب". (١)

وجاء في حديث البخاري أن هرقل سأل وفد قريش الذين مثلوا بين يديه في حمص (٢): هل جربتم عليه كذبًا قبل أن يقول ما قال؟ فقالوا لا، فقال: "علمت أنه ما كان ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله". وقال عبد الله بن رواحة:

لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيَّنَةٌ ... لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ (٣)

الصنف الثاني: أحوال عموم العالم عند بعثته - صلى الله عليه وسلم -، وهي أحوال تؤذن كلَّ ذي لُب بترقب مجيءِ رسول منقذ، وتعين على انتشار دعوته: وهذا الصنف مما يدخل في قبيل الإرهاصات. أما حالة بلاد العرب، فقد عظم فيها التفاني والإحن، وأصبحت جميع القبائل مطالبة بالتراث ومنادية بالثارات، فما خمدت حربُ البسوس حتى التهبت حربُ داحس والغبراء، ولأْيًا ما حاول سادتُهم وضعَ أوزار الحرب، فكانوا إذا نجحوا زمنًا خابوا أزمانًا، كما وصف زهير في قوله:


(١) وتمام الحديث: "عن عوف بن أبي جميلة عن زرارة بن أوفَى عن عبد الله بن سلام. قال: لمَّا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعني المدينة، انجفل الناس إليه، وقيل قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجئتُ في الناس لأنظر إليه، فلما استبَنْتُ وجهَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرفت أن وجهَه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: "يا أيها الناس أفشو السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"". قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". سنن الترمذي، "أبواب القيامة والرقائق والورع"، الحديث ٢٤٥٨، ص ٥٨٨ - ٥٨٩.
(٢) الصواب أنهم مثلوا بين يديه في بيت المقدس (إيلياء)، ورد ذلك في (صحيح البخاري) في حديث أبي سفيان بن حرب أنهم أتوه وهم بإيلياء. (صحيح البخاري) الحديث (٧).
(٣) ذكر القاضي عياض أن نِفْطَويه قال في قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور: ٣٥]: "هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه - عليه السلام -؛ يقول: يكاد منظره يدل على نبوته، وإن لم يتل قرآنًا، كما قال ابن رواحة:
لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيَّنَةٌ ... لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ".
اليحصبي: الشفا، ص ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>