للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَذُيْبَانَ بَعْدَمَا ... تَفَانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عطَرَ مَنْشَم (١)

حتى سئم الناسُ تلك الحالة، ولم يهتدوا للخلاص منها محاله.

وأما ما عدا بلاد العرب فقد كان العالم المعروف يومئذ موزعًا بين سلطة دولتين عظيمتين هما دولة الرومان ودولة الفرس، فالناس لأحوالهما تبع. وكلتا الدولتين كانت قبل ظهور الإسلام في فتن داخلية واختلال. أما دولة الروم في القسطنطينية فقد توثب على عرشها قواد الأجناد، وتعاقبوها، إلى أن استنجدت الأمةُ بهرقل الذي كان يومئذ واليًا على إفريقيا سنة ٦١٠ م، وهو الذي جاء الإسلام في مدته. ودولة الفرس كان شأنها في الانقسام شأن الروم، فكان الأمراء يتوثب بعضُهم على بعض ليتولى عرش الأكاسرة، فيغتال الابن أباه والأب ابنه، وذلك بعد وفاة أنو شروان وولاية ابنه هرمز، فثار عليه أحدُ قواد جيشه وهو بهرام، وغلبه على معظم بلاد فارس. وجاء أبرويز بن هرمز وهو أمير أذربيجان لقصد إنقاذ أبيه، ولكنه آل أمره أن قتل أباه هرمز ثم تغلب على بهرام وقتله، وكان مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمن أبرويز. ثم ثار شيرويه بن أبرويز على أبيه، وقتل أباه وإخوته، واستولَى على المملكة، ثم قتل، فولِيَ قباذ وقتل، فولِيَ أردشير.

وكانت العرب في العراق تحت حكم المناذرة تابعين لمملكة الفرس، كما كانت العرب بالشام تحت حكم الغساسنة، تبعًا لمملكة الروم، فحربهم حربهم وسلمهم سلمهم. ولم يكن غرب الأرض بأحسن حالًا من الشرق؛ إذ كانت سلطنةُ الرومان بالغرب قد انقضت سنة ٤٧٦ م بتغلب الفندال والجرمان والبربر على مدينة رومة، وأظهروا في تلك الأصقاع وما وراءها أشنعَ مظاهر الاعتداء والفساد.


(١) ديوان زهير بن أبي سلمة، نشرة بعناية علي حسن فاعور (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٠٨/ ١٩٨٨)، ص ١٠٦. والبيت من قصيدة قالها زهير في مدح الحارث بن عوف بن أبي حارثة وهرم بن سنان وذكر سعيهما بالصلح بين عبس وذبيان، وطالعها:
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ ... بِحَوْمَانَةِ الدّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>