للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان زمنُ البعثة وما تقدمه زمنًا قد اتقدت فيه الفتنُ والفوضى في سائر المعروف من أقطار العالم، ولم تكن حالةُ نفوس العامة وأخلاقهم بأقل اضطرابًا واختلالًا من حالة دولهم وجماعاتهم، بقاعدة لزوم المماثلة بين الظاهر والباطن، وبين التفكير والعمل. ونكل الناظرَ في كلامنا إلى تتبع ذلك من الإلمام بالحالة التاريخية العامة؛ لأن بسطه يخرجنا عن قصد الاختصار هنا. وسنشرحه في مؤلف خاص. (١)

الصنف الثالث: شهادات العلم والحكمة بصحة ما جاء به الرسول من الإرشاد النفساني وما له به تعلق من الجثماني شهادةً منتزعة مما هو مقررٌ من العلم قبل البعثة، مثل الحكمة اليونانية والفارسية والمصرية، أو مما تأخر ظهورُه عن زمن البعثة تأخرًا قريبًا أو بعيدا.

وهذا الصنفُ يندرج تحت وجه من وجوه إعجاز القرآن، وإنما عددناه في المعجزات الخفية؛ لأن وجوهَ إعجاز القرآن التي تعرض لها سلفُنا كانت راجعةً إلى وجوه دلالة القرآن في نظمه وبلاغته ووفرة معانيه وخصائص تأثيره في النفوس، ولم يخصوا هذه الناحيةَ بالبحث وهي ناحيةُ إعجازه من جهة أسراره وحكمه. نعم، قد بحث علماء أصول الفقه وأسرار التشريع عن بعض الحكم في التشريع، ولكنهم لم يتوجهوا إليها من حيث دلالتُها على أنه كلامُ علام الغيوب الذي لا يعزب عنه شيء. (٢)

على أن الذي نبحث عنه الآن أعمُّ مما بحثوا عن بعضه؛ اذ نقصد منه ما يتعلق بالتشريع وما يتعلق بالإرشاد الخارج عن التشريع إلى مجرد النصح والإصلاح العام، مثل ما يتعلق بصلاح المزاج، وصلاح النسل، ونظام العائلة، واستقامة العيش


(١) لا نعلم ما إذا كان المصنف وفَى بهذا الوعد، ولكنا نشير إلى أنه تناول طرفًا من موضوعه في بحث "من يجدد للأمة أمر دينها" المنشور في هذا المجموع.
(٢) راجع تفصيلَ المصنف القولَ في هذه الجوانب من إعجاز القرآن في المقدمتين التاسعة والعاشرة من مقدمات تفسير التحرير والتنوير، ج ١، ص ٩٣ - ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>