الخاص (أي الاقتصاد المنزلي)، ولأننا نبحث عما ثبت في القرآن وفي السنة، وهذه مزيةٌ في الشريعة الإسلامية زائدة عن المقصود وهو التشريع.
والذي يظهر لي أن الرسول خَصَّ بالتنبيه أمورًا لم يهتد الناسُ إليها مع عظم خطرها، أو لأنها تمس جانبَ التشريع من جهة إحداث عوائق نفسية أو جثمانية قد يكون لها تأثير سيئ في عموم الأمة. يرشدنا لذلك أنا لم نر الرسول متصديًّا إلى بيان ما يهتم الناس بالاطلاع عليه مما يلزمهم عملُه من أحوالهم الدنيوية، كأوقات الأكل، وطرق الاكتساب. ولذلك قال لأصحابه في شأن تأبير النخل:"أنتم أعلم بأمور دنياكم"، فبهذا يتضح لنا فرقٌ بين ما اهتم الإرشاد النبوي ببيانه أو الرمز إليه، وبين ما وكله لعلم الأقوام وعنايتهم، وكل ذلك مما هو خارج عن التشريع.
وأمثلة هذا الصنف من الإعجاز وجزئياته كثيرة، نقتصر منها الآن على أمور:
١ - منها تحريم قليل الخمر الذي هو دون الإسكار، فقد كان علماؤنا يقولون: إن حكمة ذلك هو سدُّ الذريعة، ولكن علم الطب لَمَّا كثرت اكتشافاتُه أثبت أن ما يشتمل عليه الخمر من الجزء المسمى بالكحول شيء مفسِدٌ للمزاج، وأنه إذا سرى منه شيء مع لقاح التناسل في الرجل أو المرأة، أورثَ في النسل أمراضًا معضلة.
٢ - ومنها تحريم الزنا والبغاء، فقد أثبت الطبُّ أن ذلك الاختلاط يجر على النسل ويلاتٍ من فساد الأمجزة والأمراض المعضلة.
٣ - ومنها النهي عن اتخاذ الكلاب الدواجن، والأمر بغسل الإناء الذي يلغ فيه الكلب سبعًا إحداهن بالتراب. فقد كان هذان الحكمان مختصمَ العلماء المجتهدين في تعليله والتفريع عنه: فمنهم مَنْ أخذ من ذلك نجاسة الكلب، ومنهم من قال: بل ذلك تعبدٌ لم نطلع على علته وهو أقرب؛ لأنه لما اتضحت العلة الآن ظهر معنى التعبد الذي مال إليه مالك رحمه الله، فقد قال الأطباء: إن رائحة أرواث الكلاب في البيوت، ومخالطتها، تحدث أمراضًا عضالًا، وقالوا: إن لعاب الكلب يشتمل على جراثيم معدية تحدث أدواء معضلة، ورأيت من الأطباء من قال: إن تلك الجراثيم لا يطهر منها الإناء أتَمَّ تطهير إلا إذا وقعت في التراب.