للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصنف الرابع: مقامات ثبات الإسلام وعدم تزلزله في مظاهر مناوأة أعدائه، وقلة عزيمة أنصاره، وغفلة أتباعه. وهذا الصنف يشبه المعجزات، وشواهده تبتدئ من وقت ابتداء الدعوة وتستمر مع العصور: ظهر الإسلام بين قوم كان معظمُهم مناوئًا لدعوته ساخرًا منه إلا نفرًا قليلًا، قال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: "لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لنا طعام إلا ورق السمر". (١) فثبت الإسلام أمام تيار أعدائه يزيد أتباعه يومًا فيومًا بحكمة قدرها الله تعالى، وهي أن جعل المشركين يسخرون ويستضعفون وجعل الله ذلك فرصة ليمكن الدين من أتباعه، قال تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)} [الحجر: ٩٥].


(١) يبدو أن المصنف جمع بين روايتين إحداهما عن خالد بن عمير العدوي قال، قال: "سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: والله! إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله. ولقد كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما لنا طعامٌ نأكله إلا ورق الحبلة، وهذا السمر. حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة. ثم أصبحت بنو أسد تُعَزّرني على الدين. لقد خبت، إذًا وضل عملي". ولم يقل ابن نمير: "إذا". والثانية عن خالد بن عمير العدوي، قال: "خطبنا عتبة بن غزوان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، يتصابُّها صاحبُها. هانكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذُكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم فيهوي فيها سبعين عامًا لا يدرك لها قعر. ووالله! لتملأن. أفعجبتم؟ ولقد ذُكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام. ولقد رأيتني سابعَ سبعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما لنا طعام إلا ورقُ الشجر، حتى تقرحت أشداقُنا. فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحدٌ إلا أصبح أميرًا على مصر من الأمصار. وإنِّي أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيمًا وعند الله صغيرًا، وإنها لَم تكن نبوةٌ قط إلا تناسخت، حتى يكون آخر عاقبتها ملكا. فستخبَرُون وتجرِّبون الأمراءَ بعدنا"". صحيح مسلم، "كتاب الزهد والرقائق"، الحديثان ٢٩٦٦ - ٢٩٦٧، ص ١١٣٥ - ١١٣٦. والْحُبْلَبة أو الحْبَلَة - بضم الحاء وفتحها وإسكان الباء وفتحها - هي والسَّمُر - واحدته سَمُرة - ضرب من شجر الطلح. والرواية الأولى في صحيح البخاري، "كتاب الأطعمة"، الحديث ٥٤١٢، ص ٩٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>