وإن أعظم نصير ظهر للدين قلة اكتراث قريش بدخول أهل يثرب في الإسلام، ثم إن الله تعالى يسّر انتشارَ هذا الدين في أمد غير بعيد، فما تُوفِّيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان الإسلام عامًّا جميعَ الحجاز، وتهامة، ونجد، والبحرين، واليمن، ومشارفَ الشام، وصار أتباعه ملايين.
ثم كان المقامُ الثاني مقامَ ثبات الدين بعد ارتداد العرب عقب وفاة رسول الله، فجبر الله الصدعَ في حالة لا تعرف أسبابها، فثاب العرب إلى الإسلام وطاعة خليفة رسول الله، فانتشر الإسلام عقب ذلك في العراق والشام والفارس ومصر وإفريقية، على عظمة تلك الممالك المناوئة له في بدء أمرها، وعلى قلة جند الإسلام تجاه تلك القوى.
ثم كان المقامُ الثالث مقامَ ثباته أيام الفتنة الكبرى التي أثارها الخارجون على عثمان - رضي الله عنه - في قلب الإسلام وعاصمة الخلافة، فسلم الإسلامُ من انتقاض أتباعه الذين كانوا قريبي عهدٍ بالإسلام من أهل فارس، وقبط مصر، ونصارى العرب. وتعطل انتشارُ الإسلام برهة، وفُتحت أبوابُ الفتن، فتعس الذين دبروها والذين أضرموها.
ثم حدث الخلافُ بين الصحابة عن اجتهاد، وغُضب للحق من الفريقين، فرضي الله عنهم أجمعين. ثم جاءت فتنةُ الحرورية والأزارقة ومَنْ بعدهم، فأصبحت قوةُ الإسلام يرتد بعضُها على بعض فيُفنِي بعضُها بعضًا، ثم تدارك الله الأمةَ بفضيلة الحسن بن علي سبط رسول الله - رضي الله عنه - وسعيه لرد سيوف المسلمين إلى قرابها.
ثم حدثت حوادثُ غير مجهولة، حتى زمن عبد الملك بن مروان، فاجتمعت الكلمةُ وعادت الخلافة إلى حرمتها. ثم كان ظهور الدولة العباسية، واقتحامها إثارة نار الفتنة أيضًا، ولم تطل حتى اجتمع الناسُ بعد مقتل مروان بن محمد وخرج عبد الرحمن بن معاوية بالأندلس بفتنة غير قوية. ثم حدثت فتنةُ المغول، وجاء الانقسام المستمر. كلُّ ذلك والإسلام قائمُ الصلب، رافع الرأس، له في كل تلك العصور مقاماتٌ ثابتة، ودلائلُ على صدقه واضحة. ولا أعجب من حادثة تنصير