التي في لفظ راهب، وذلك من تغييرات النسب. وزيادة النون في النسب تدل على تمكن النسبة، كقولهم شعرانِيٌّ لكثير الشعر، ولحيانِيٌّ لعظيم اللحية. فدل اللفظُ بمادته وصيغته زيادة على صفة من صفات الراهب مختصة به، إذ لم يكن مثلُ ذلك معروفًا في دين اليهودية، فانفرد به طائفةٌ من أهل المسيحية.
فنفيُ الرهبانية هو الامتناعُ عن التزوج بنية القربة إلى الله، ويومئ إلى ذلك ذكرُها في الحديث في عداد أمور مما كان يُفعل بقصد التقرب إلى رضا الله تعالى.
واتفق المفسرون وأصحابُ معاني الحديث على تفسير الرهبانية بهذا المعنى، وهو من تفسير معنى لفظ لغوي، فمرجعه إلى الوضع والرواية ولا مجال للرأي فيه، وحمله على غير معناه توهُّم ووضع جديد.
والرهبانية من قبيل النذور؛ لأن فاعلها يوجبها على نفسه تقربًا من رضا الله تعالى. واتفق المفسرون على أن حقيقة الرهبانية أفعال من العباد يريدون بها التقرب إلى الله طلبًا لرضوانه، وهي التي تقدم بيانها في عبارة "الفائق" للزمخشري و"النهاية" لابن الأثير. وتلك الأفعال معدودة من فضائل الأعمال في الدين المسيحي وليست من الواجبات فيه، ولهذا قال الله تعالى:{مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}[الحديد: ٢٧]، أي ما فرضناها، ثم قال:{إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}[الحديد: ٢٧]، وهذا استثناء منقطع، أي ما كتبناها عليهم لكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله.
ويدل لذلك قوله تعالى:"ابتدعوها"؛ فإن الابتداع يكون في الأعمال. وأما علم الكتاب وفهمه فليس بابتداع، بل هو مما أمر الله به أهل الكتاب، قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران: ١٨٧]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأما تأويل هذا الخبر، فقد تسلسلت فيه أخطاء لكثير من الناس تولد بعضها عن بعض، ومنشؤها فيما أظن هو النظر في أعمال الرهبان مع توهم أن ما عليه رهبان المسيحيين من الأحوال والأعمال كله داخل في مدلول لفظ الرهبانية.