للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صفات مجالسِ السَّراة والجماعات دلائلُ مُنْبِئةٌ بأحوال أصحاب تلك المجالس، كما قال [الشاعر]:

وَلمَّا أَنْ أَتَيْتُ بَنِي جُوَيْنٍ ... جُلُوسًا لَيْسَ بَيْنَهُمُو جَلِيسُ

يَئِسْتُ مِنَ الَّتي أَقْبَلتُ أَبْغِي ... لَدَيْهُمُو، إِنَّنِي رَجُلٌ يَؤُوسُ (١)

وإننا إذا تتبعنا ما يُعَدُّ من هيئات المجالس أحوالَ كمالٍ حقًّا أو وهْمًا، نجد منها المتضادَّ الذي إن اشتمل المجلسُ على شيء منه لم يشتمل على ضده، مثل الحجاب والإذن، والوقار والهزل. ونجد بعضَها غيرَ متضادٍّ بحيث يمكن اجتماعُه، كوضع الأرائك والطنافس النفيسة مع التزام الوقار والحكمة، وكالفخامة والزركشة


= إبلهم، فقتلوا منهم ستة، وبقي بيهس، وكان يحمق، وكان أصغرهم، فأرادوا قتله ثم قالوا: وما تريدون من قتل هذا؟ يُحسب عليكم برجل ولا خيرَ فيه، فتركوه. أما مناسبة قوله هذا الكلام فهي أن بيهسًا "أُخبِر أن ناسًا من أشجع في غار يشربون فيه، فانطلق بخال له يقال له أبو حنش فقال له: هل لك في غار فيه ظباء لعلنا نصيب منها؟ ويروى: هل لك في غنيمة باردة؟ فأرسلها مثلًا. ثم انطلق بيهس بخاله حتى أقامه على فم الغار، ثم دفع أبا حنش في الغار فقال ضربًا أبا حنش. فقال بعضهم: إن أبا حنش لبطل. فقال أبو حنش: مكرَهٌ أخوك لا بطل، فأرسلها مثلًا. قال المتلمس في ذلك:
وَمِنْ طَلَبِ الأَوْتَارِ مَا حَزَّ أَنْفَهُ ... قَصِيرٌ وَخَاضَ المَوْتَ بِالسَّيْفِ بَيْهَسُ
نَعَامَةٌ لَمَّا صَرَّعَ الْقَوْمُ رَهْطَهُ ... تبَيَّنَ فِي أَثْوَابِهِ كَيْفَ يَلْبَسُ
الضبي، المفضل بن محمد: أمثال العرب، تحقيق إحسان عباس (بيروت: دار الرائد العربي، ط ٢، ١٤٠١/ ١٩٨١)، ص ١١١ - ١١٢؛ الميداني، أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري: مجمع الأمثال، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (مطبعة السنة المحمدية، ١٣٧٤/ ١٩٥٥)، ج ١، ص ١٥٣. ويروى "مكره أخاك - بالألف - لا بطل"، وهو مثل مسموع عن العرب، وقد أجمع أئمة اللغة على وجوب ضرب الأمثال كما تفوه بها الذين قالوها أول مرة. ووفقًا لذلك يكون إعراب "أخاك" مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف، والكاف ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. وذلك على لغة من يجعل الأسماء الخمسة دائمًا بالألف ويقدر الحركات، وهي لغة تميم وتسمى لغة القصر.
(١) ذكر هذا الشعر ابن قتيبة، ولم ينسبه إلى أحد، وقد صوبنا بعضَ ألفاظ البيتين طبقًا لما ذكره. عيون الأخبار، ج ١/ ٢، ص ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>