للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعجزة، لئلا يبتدر أحدُ الكذابين فيفترض حدوثَ حادث غريب فيدعيَ أن ذلك الحادثَ آيةُ رسالته. (١)

ويُؤخذ من كلام المحققين أن التحدي هو احتجاجُ الرسول على المترددين في صدقه بأن يقعَ منه أو بطلبه شيءٌ لا يقدر الناسُ على الإتيان به. ثم توسعوا فجعلوا دلالةَ حال الرسول مع الذين يدعوهم قائمةً مقامَ التحدي، فلذلك آلُوا إلى تفسير التحدي بأنه ادعاءُ الرسالة ليشمل المعجزاتِ الصادرةَ من الرسل في غير مقام المعارضة، مثل المعجزات الواقعة بمحضر المؤمنين بهم، كانفجار العيون من الصخر لموسى - عليه السلام -، وكنبع الماء من بين أصابع محمد عليه الصلاة والسلام.

ثم اتفق علماء الكلام على أن المعجزة تدل على صدق المتحدي بها، وأنها قائمةٌ مقامَ قول الله تعالى: "صدق هذا الرسول فيما أخبر عني"، (٢) بناءً على الله تعالى ناط نظامَ هذا العالم بسنن معلومة لا تتخلف بحسب ما جربنا من أول خلق البشر - وهذه السننُ هي التي نسميها بالعادة، أو الجبلة، أو الطبيعة - وجعل البشرَ المتصرفين في هذا العالم عاجزين عن تبديل تلك السنن. واتفق المِلِّيُّون على أن الله قادرٌ على خُلْفِها إذا تعلقت إرادتُه بذلك لحكمة، فإذا ادعى أحدُ الناس الرسالةَ عن الله وجعل آيةَ صدقه حدوثَ خارق للعادة فوقع ما أخبر به الرسول، كان ذلك الخارقُ في ذلك الحين مقدَّرًا من الله، فكان ذلك أمارةً بين الله وبين عباده على صدق ذلك الرسول.


(١) المرجع نفسه، ص ٢٧٣ - ٢٧٤٥.
(٢) وفي هذا الصدد قرر القاضي عبد الجبار والآمدي أن المعجزة تنزل "منزلةَ التصديق بالقول". المغني في أبواب التوحيد والعدل، ج ١٥: النبوات والمعجزات، تحقيق محمود محمد قاسم ومراجعة إبراهيم مدكور، ص ١٦١؛ الآمدي: أبكار الأفكار، ج ٤، ص ١٨. وقال ابن الأمير (توفي سنة ٧٣٦ هـ): "وإنما تدل المعجزةُ لنزولها منزلةَ التصديق بالقول". ابن الأمير: الكامل في أصول الدين في اختصار الشامل في أصول الدين، تحقيق جمال عبد الناصر عبد المنعم (القاهرة: دار السلام، ط ١، ١٤٣١/ ٢٠١٠)، ج ٢، ص ٧٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>