ولم يكن الداعي لهم إلى استبقاء المترادف مجردَ الإدلال بحوافظهم، بل رأوا في بقائه عونًا لهم على مقصدهم الأهم من أدب لغتهم، وهو مقصدُ الارتجال في الكلام والفصاحة عن تركيبه. فكانوا بحاجة إلى التوسعة على أنفسهم في طرائق التعبير والسلامة من العِيِّ والإرتاج والحصَر عند الكلام، وقديمًا ما تعوذوا بالله من ذلك.
وقد أشرنا فيما مضى إلى أن أدب العربية معظمُه شعرٌ وسجع؛ كان أهل الأدب بحاجة إلى المترادف يَلْحَمُون منه نسجَ الأسجاع، ويَتِدون به متعاصي القوافِي، ويستعينون باختلاف موازين الكلمات المترادفة على إقامة ميزان العروض، بحسب ما تسمح به الأسبابُ والأوتاد.
مثاله أن لفظ دابة لو لم يكن له مرادفٌ لتعذر التعبيرُ به في الشعر؛ لأنه يشتمل على ساكنين متواليين حصل أحدُهُما بالإدغام والآخر بالأصالة، إذ لا يجتمع في الشعر العربي حرفان ساكنان؛ إذ أوزانُ الشعر كلُّها مركبة من أسباب وأوتاد. فالسبب هو حرف ثان موال للحرف المتحرك المبتدأ به في النطق، فإن كان الحرف الثاني متحركًا فالسبب سببٌ ثقيل نحو فَعَ، وإن كان الحرف الثاني ساكنًا فالسبب خفيف؛ نحو فَعْ.
(١) البيتُ من بحر الوافر، وهو للنَّمِر بن تولب. الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ٧ (أول مقدمة الكتاب). والشاعر هو النمر بن تولب بن زهير بن أقيش العُكَلي، ينتهي نسبه إلى عوف بن وائل بن قيس بن عبد مناة. شاعرٌ جاهلي أدرك الإسلام وهو كبير فأسلم، فهو من الشعراء المخضرمين المعمرين. وعُد من الصحابة، وروى حديثًا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وكان له ولد يدعى ربيعة، وأخ يدعى الحارث بن تولب (سيد مُعظّم في قومه). نشأ النمر بن تولب بين قومه في بلاد نجد، ثم نزلوا ما بين اليمامة وهجر. تُوُفِّيَ نحو سنة ١٤ هـ/ ٦٣٥ م. وما عرف له في المدح إلا قصيدةٌ واحدة مدح فيها الرسول - عليه السلام -، وكذلك كان هجاؤه نادرًا، وكان شعره صادقًا وألفاظه سهلة جميلة، فوُصِف بالكيس لذلك. الموسوعة الشعرية.