للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمعنى كونها حقيقةً أنها مفهومٌ كلّي؛ أي كلّي منطقي، ومعنى كونها مطلقةً أنها غيرُ متوقِّفةِ التعقل على تعقُّل حقيقةٍ أخرى، ومعنى كونها جامعةً لكل شيء أن كلَّ شيء (وهو الموجود) تتحقق معه هذه الحقيقة. فالموجود يتوقف تعقُّلُه من حيث إنه موجودٌ على تعقل حقيقة الوجود، والموجود عند وجوده تتحقق ماهيةُ الوجود؛ أي لا يصير الوجود كليًّا طبيعيًّا (١) إلا عند تحقُّق الموجودات التي هي أشخاصُه، كما هو شأنُ وجود الكلِّي الطبيعي؛ بمعنى وجود أشخاصه. وعلى هذا فوجودُ الشيء ليس عينَ الشيء.

ثم إن الوجودَ بمعناه الأصلي - أي مفهومه - لا تفاوتَ فيه؛ لأن حقيقته غيرُ ملاحَظٍ فيها العوارض. فالممكن موجود، والواجب موجود، ولا تفاوتَ بينهما في نفس الوجود بمعنى الثبوت المطلق، وهو الحقيقة الجامعة للأفراد. قال ابن سينا: "إطلاقُ الوجود على الواجب وعلى الممكن بحسب مفهوم واحد مشترك بينهما، وامتياز وجود الواجب بعدم عروضه للماهية ووجود الممكن بعروضه وصف عارض لماهيته"؛ (٢) أي ماهية الوجود.


= الأشاعرة مطلقًا)؛ أي في المعدوم الممكن والممتنع جميعًا، فقالوا: المعدوم الممكن ليس بشيء كالمعدوم الممتنع (لأن الوجود عندهم نفس الحقيقة فرفعُه رفعها)؛ أي رفع الوجود رفع الحقيقة، فلو تقررت الماهيةُ في العدم منفكة عن الوجود لكانت موجودة معدومة معًا، فلا يمكنهم القول بأن المعدوم شيء. (وبه) أي بما ذهب إليه الأشاعرة (قال الحكماء) أيضًا، (فإن الماهية) الممكنة وإن كان وجودها زائدًا على ذاتها (لا تخلو عندهم عن الوجود الخارجي أو الذهني)، يعني أنها إذا كانت متقررة متحققة فهي موجودة بأحد الوجودين؛ لأن تقررَها وتحققها عينُ وجودها"، وذلك لأن "الشيئية عندهم تساوق الوجود". الجرجاني: شرح المواقف، ومعه حاشيتا السيالكوتي والجلبي، نشرة بعناية محمود عمر الدمياطي (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٩/ ١٩٩٨)، ج ١/ ٢، ص ١٩٠ - ١٩٢. وانظر تفصيلَ رأي الحكماء في المسألة في ابن سينا: الإلهيات من الشفاء، تحقيق الأب قنواتي وسعيد زايد وتصدير إبراهيم مدكور (قم: منشورات ذوي القربي، ١٤٢٨)، ص ٣٠ - ٣٦.
(١) الكلّي الطبيعي هو معروضُ المفهوم الكلّي، والمفهوم الكلّي يُسمَّى الكلّي المنطقي. - المصنف.
(٢) لم أتمكن من الوقوف على هذا الكلام المنسوب للشيخ الرئيس، لا في الإشارات والتنبيهات، ولا في النجاة، ولا في إلهيات الشفاء، ولا في كتاب التعليقات، ولا في كتاب المباحثات، ولا في غيرها مما =

<<  <  ج: ص:  >  >>