للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين الألفاظ الاصطلاحية وبين مجاري التعبير العربي الفصيح. وذلك يرجع إلى مقام الإعجاز الذي وردت به تلك المفرداتُ في القرآن العظيم، وإلى صفة الفصاحة السامية المنزلة التي أوتيها النبي - صلى الله عليه وسلم - فظهرت بها تلك المفردات في الحديث الشريف.

وإذا ثبت أن المفردات المستعملة في المصطلح الفقهي منها ما يرجع إلى الحقيقة الشرعية ومنها ما يرجع إلى الحقيقة العرفية، فإن النظرَ في المقارنة النسبية بين القسمين يفيد أن الأكثر الغالب هو الراجعُ إلى الحقيقة الشرعية المتبع فيه التعبيرُ القرآني أو الحديثي. يتضح ذلك جليًّا لِمَنْ يرجع إلى مصنفات السنة الأولى، فيرى أن تراجم الأبواب التي بُنيت عليها المصنفات هي تراجم الأبواب التي بُنيت عليها كتبُ الفقه في عامة المذاهب منذ القرن الثاني إلى اليوم، كما يتضح ذلك أيضًا لمن يريد أن يختبر هذه القضية بأن يعمد إلى ألفاظٍ من كتب الفقه القديمة أو الحديثة يعرضها على المعاجم المصنفة في لغة الحديث، مثل "مشارق الأنوار" لعياض و"النهاية" لابن الأثير، فيرى أن الأكثرَ منها ما هو من لغة الحديث، وأن أقلَّها ما هو من مصطلحات (١) الفقهاء التي قلنا إن شأنهم فيها شأنُ غيرهم من أصحاب العلوم.

كان عمل الفقهاء استنباطًا للأحكام من أدلتها، وتحقيقًا لمناط الأحكام من معانيها وعللها، وقياسًا للفروع على أصولها. فكانت بذلك نصوصُ الكتاب والسنة التي يسميها الإمام الغزالي "المدارك القولية"، هي قوام تفكيرهم وتعبيرهم، فلم يكن من داع لأن يستعملوا من الألفاظ ما يخرج عن تلك الدائرة إلا لأحد أمرين:

الأول: وصفهم لما يسلكون في فهمهم للمعاني، وتقديرهم للصور التي يُنَزِّلون عليها الأحكامَ المستنبطة من مسالك ذهنية تختلف باختلاف اجتهادهم. وتلك هي صناعة الفقه التي تنتج تقديرَ الأحكام الشرعية مما يرجع إلى الدليل،


(١) في عبارة "فيرى أن الأكثرَ منها ما هو من لغة الحديث، وأن أقلَّها ما هو من مصطلحات"، غموض عسر علينا معه تبين المعنى المقصود من الكلام، ومناط الإشكال هو فيما إذا كانت "ما" هي الموصولية أم النافية. - المحقق.

<<  <  ج: ص:  >  >>